الجزيرة - عبد الله الحصان :
الراصد لمسيرة المملكة خلال الخمس سنوات الماضية يجد أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود- حفظه الله- ينتهج نهجاً واضحاً في مسيرته لمكافحة الفساد بشتى أنواعه وجعله هذا التوجه- حفظه الله- توجه إستراتيجي وعقيدة أساسية في سياسات المملكة، ولعل ما حدث إبان فاجعة السيول في جدة ومن بعدها مدينة الرياض وصدور الأمر الملكي بإنشاء هيئة لمكافحة الفساد هو دليل واضح على استشعار القيادة الرشيدة لحاجات الوطن ومسؤولياته ولعل خطبته- حفظه الله- تحت قبة مجلس الشورى مؤخراً والتي قال فيها بالنص: إننا لا نستطيع أن نبقى جامدين والعالم من حولنا يتغير ومن هنا سوف نستمر- باذن الله- في عملية التطوير وتعميق الحوار الوطني وتحرير الاقتصاد ومحاربة الفساد والقضاء على الروتين ورفع كفاءة العمل الحكومي والاستعانة بجهود كل المخلصين العاملين من رجال ونساء وهذا كله في إطار التدرج المعتدل المتمشي مع رغبات المجتمع المنسجم مع الشريعة الإسلامية.
هو تأكيد على النظرة التطويرية الثاقبة لدى القيادة، ومن يريد الحديث عن لغة الأرقام سيجد أن خادم الحرمين الشريفين قد رصد وبشكل عاجل من خلال أمره الملكي بتقديم تبرع قيمته مليون ريال لذوي كل شهيد أو غريق في كارثة سيول جدة ، كما وجه- حفظه الله- في كلمة شهيرة بعد فاجعة سيول جدة يتضح من خلالها مدى إحساسه بعظم الفاجعة وشعوره وتضامنه في مصاب الأسر المتضررة من هذه الفاجعة وقال حفظه الله:إنه ليحز في النفس ويؤلمها أن هذه الفاجعة لم تأت تبعاً لكارثة غير معتادة على نحو ما نتابعه ونشاهده كالأعاصير والفيضانات الخارجة وتداعياتها عن نطاق الإرادة والسيطرة في حين أن هذه الفاجعة نتجت عن أمطار لا يمكن وصفها بالكارثية، وإن من المؤسف له أن مثل هذه الأمطار بمعدلاتها هذه تسقط بشكل شبه يومي على العديد من الدول المتقدمة وغيرها ومنها ما هو أقل من المملكة في الإمكانات والقدرات ولا ينتج عنها خسائر وأضرار مفجعة على نحو ما شهدناه في محافظة جدة وهو ما آلمنا أشد الألم.
وأضاف حفظه الله: «اضطلاعاً بما يلزمنا واجب الأمانة والمسؤولية التي عاهدنا الله تعالى على القيام بها والحرص عليها تجاه الدين ثم الوطن والمواطن وكل مقيم على أرضنا فإنه من المتعين علينا شرعاً التصدي لهذا الأمر وتحديد المسؤولية فيه والمسؤولين عنه - جهات وأشخاصاً - ومحاسبة كل مقصر أو متهاون بكل حزم دون أن تأخذنا في ذلك لومة لائم تجاه من يثبت إخلاله بالأمانة، والمسؤولية الملقاة عليه والثقة المناطة به، أخذاً في الاعتبار مسؤولية الجهات المعنية كل فيما يخصه أمام الله تعالى، ثم أمامنا عن حسن أدائها لمهماتها ومسؤولياتها، والوفاء بواجباتها، مدركين أنه لا يمكن إغفال أن هناك أخطاءً أو تقصيراً من بعض الجهات، ولدينا الشجاعة الكافية للإفصاح عن ذلك والتصدي له بكل حزم، فهؤلاء المواطنون والمقيمون أمانة في أعناقنا وفي ذمتنا، نقول ذلك صدقاً مع الله قبل كل شيء، ثم تقريراً للواجب الشرعي والنظامي، وتحمل تبعاته، مستصحبين في ذلك تبرؤ النبي صلى الله عليه وسلم من صنيع بعض أصحابه فيما ندبهم إليه.
كما أصدر خادم الحرمين الشريفين عدداً من القرارات التي جاءت بعد كارثة سيول جدة من خلال كلمته التي قال فيها:» بعد أن تابعنا ببالغ الحزن والألم الأحداث المأساوية التي نتجت عن هطول الأمطار على محافظة جدة وما أدت إليه من وفيات تجاوزت مئة شهيد وإصابة الكثيرين إضافة إلى العديد من التلفيات والأضرار البالغة على المنشآت العامة والممتلكات الخاصة وبعد أن قمنا بواجبنا في حينه بتوجيه الجهات المعنية باتخاذ الإجراءات اللازمة حيال ذلك وبشكل عاجل جداً وكنا على اتصال مع المسؤولين المعنيين بمتابعة هذا الأمر أولاً بأول واتخاذ ما يلزم من إجراءات في حينه، لذا وامتثالاً لقول الله تعالى {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
وبناءً على ما تقتضيه المصلحة العامة أمرنا بما هو آت:
أولاً: تكوين لجنة برئاسة صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة وعضوية كل من:
1- معالي رئيس هيئة الرقابة والتحقيق.
2 - مندوبون من وزارة الداخلية وهم: (مدير عام الدفاع المدني - وكيل إمارة منطقة مكة المكرمة - مدير عام المباحث الإدارية - ومدير مباحث منطقة مكة المكرمة).
3 - مندوب على مستوى عال من رئاسة الاستخبارات العامة.
4 - وكيل وزارة العدل.
5- نائب رئيس ديوان المراقبة العامة المساعد.
ثانياً: تقوم اللجنة - حالاً - بمباشرة المهمات والمسؤوليات الآتية بتفرغ كامل:
1 - التحقيق وتقصي الحقائق في أسباب هذه الفاجعة، وتحديد مسؤولية كل جهة حكومية أو أي شخص ذي علاقة بها.
2 - حصر شهداء الغرق والمصابين والخسائر في الممتلكات.
3 - على وزارة المالية تعويض المتضررين في ممتلكاتهم وفقاً لما تنتهي إليه اللجنة.
4 - للجنة تكوين لجان منبثقة وفرق عمل لتسهيل مهماتها، ولها في ذلك اتخاذ جميع ما يلزم من إجراءات لتسهيل أداء عملها، وعلى جميع الجهات الحكومية الالتزام التام بالتعاون مع اللجنة وتسهيل مهماتها، بما في ذلك تقديم جميع ما تحتاج إليه من معلومات وبيانات ووثائق.
5 - على اللجنة أيضاً الرفع لنا - فوراً - عن أي جهة حكومية لا تلتزم بذلك ، وللجنة كذلك استدعاء أي شخص أو مسؤول كائناً من كان بطلب إفادته، أو مساءلته - عند الاقتضاء -، كما للجنة الاستعانة بمن تراه من ذوي الاختصاص والخبرة.
6 - على اللجنة الرفع لنا بما تتوصل إليه من تحقيقات ونتائج وتوصيات بشكل عاجل جداً، وعليها الجد والمثابرة في عملها بما تبرأ به الذمة أمام الله عز وجل، وهي من ذمتنا لذمتهم، مستشعرة عظم المسؤولية وجسامة الخطب.
ثالثاً: على وزارة المالية - حالاً - صرف مبلغ مليون ريال لذوي كل شهيد غرق، أكرمه الله بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «والغريق شهيد» على ضوء ما يرد للوزارة من اللجنة المشار إليها عن الأسماء المحصورة من قبلها.
وبهذه الخطى الموزونة لمحاربة الفساد استطاع خادم الحرمين الشريفين أن يزرع بداخل قلب كل مواطن ومقيم في البلد تفهم القيادة لخطر هذا الجانب ومكافحتها بكل الأوجه.
هذه هي المسؤولية بمعناها الحقيقي وهذه الكلمات هي تجسيد لمعنى الأمانة التى وضعها الله في رقاب بعض الناس تجاه الآخرين أياً كانت أوطانهم وجنسياتهم ودياناتهم حفظ الله خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والقيادة الرشيدة والمملكة من كل سوء ومن كل شر معلن أو خفي.