الجزيرة - فهد الشملاني :
حظي قطاع النقل الحديدي في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز باهتمام واسع من قبل الدولة إيماناً منها بالدور الحيوي الذي يؤديه هذا القطاع في التنمية الاقتصادية كونه يعد من أهم قطاعات البنى التحتية الجاذبة للاستثمارات العملاقة سواء كانت محلية أو عالمية، وفي عهد خادم الحرمين الشريفين شهد قطاع النقل الحديدي تطوراً كبيراً من حيث توقيع العقود الاستثمارية ودراسة العديد من المشروعات لتوسعة شبكة السكك الحديدية وعلى سبيل المثال لا الحصر مشروع سكة حديد (الشمال - الجنوب)، ومشروع قطار الحرمين السريع، ومشروع الجسر البري الذي يربط جدة بالرياض، كما أن الحكومة تبنت برنامجاً طموحاً لتوسعة شبكة الخطوط الحديدية لتغطي معظم مناطق المملكة وتربط أقاليمها والتجمعات السكانية والصناعية بالموانئ الرئيسة المهمة في الشرق والغرب، حيث يتكون هذا البرنامج في المرحلة الحالية من ثلاثة مسارات هي الجسر البري السعودي، ومشروع قطار الحرمين السريع ومشروع قطار الشمال الجنوب. ويعد إطلاق هذه المشروعات العملاقة في هذه المرحلة المهمة سيؤدي إلى زيادة حركة النشاط الاقتصادي وخلق العديد من الفرص الاستثمارية التي ستعمل بدورها على ازدياد حجم وحركة الاستثمار وإيجاد العديد من الفرص الوظيفية. فالخطوط الحديدية شأنها شأن المطارات والموانئ وشبكات الاتصالات الحديثة تعتبر عاملاً مهماً لجذب وتشجيع الاستثمار، ويتضح حجم القيمة الاقتصادية التي ستضيفها هذه المشروعات الضخمة للاقتصاد السعودي، فهي كبيرة بكل المقاييس، وهو يؤكد أهمية توجيه رؤوس الأموال للاستثمار في هذا المجال الواعد. وكانت حركة نقل الركاب وشحن البضائع قد شهدت في السنوات الأخيرة نمواً مطرداً، ويعود ذلك إلى عدة أسباب من بينها عمليات التطوير والإصلاحات الكبيرة التي أدخلت على البنية التحتية والأسطول (القاطرات والعربات) إضافة إلى وجود خيارات زمنية كافية (السفر في أوقات مختلفة خلال اليوم) أمام المسافرين للحجز والسفر، إضافة إلى الاهتمام الكبير بنوعية الخدمة التي تقدم للمسافرين في عالم أصبحت فيه الخدمة محوراً أساسياً في نجاح وتطور أي نشاط.
مشروع قطار الشمال - الجنوب
ويهدف إلى ربط شمال غرب المملكة بالرياض، مروراً بالجوف وحائل والقصيم، مع تفريعة لكل من حزم الجلاميد لنقل خام الفوسفات، والزبيرة لنقل خام البوكسايت، ورأس الزور على الخليج العربي بطول 2400 كيلومتر.
ويأتي هذا المشروع ضمن برنامج تنموي إستراتيجي يهدف إلى تعزيز وسائل النقل والمواصلات واستغلال مناطق الثروة المعدنية في المملكة، وذلك وفقاً لقرار مجلس الوزراء في 4 - 3 -1424هـ الذي أناط بالصندوق إقامة هذا المشروع بهدف نقل خامات الفوسفات والبوكسابت من شمال ووسط البلاد إلى منشآت المعالجة والتعدين برأس الزور على الخليج العربي. وتبلغ قيمة العقود الموقعة في مشروعات السكك الحديدية أكثر من (12) مليار ريال بما في ذلك تسوية الأرض وفتح طرق في النفود وكذلك وضع سكة الحديد نفسها. وأكد بعض المسؤولين أن انتهاء المشروع سيكون متزامناً مع انتهاء المنشآت التي تتعامل مع الفوسفات والبوكسايت في رأس الزور، وأن بدء انطلاق قطار التعدين عام 2012م وسيكون متزامناً مع انتهاء المنشآت في رأس الزور.
مشروع الجسر البري
يمثل هذا المشروع أهم مكونات برنامج التوسعة، وسيعمل على ربط موانئ المملكة الرئيسة في كل من جدة على الساحل الغربي والرياض في الوسط والدمام والجبيل على الساحل الشرقي بخط حديدي يبلغ طوله حوالي (1150) كلم.
وسيكون لتنفيذ هذا المشروع العملاق تأثير كبير في نمو حركة النقل والسياحة، نظراً للموقع الجغرافي والإستراتيجي للمناطق التي سيمر بها هذا الخط، فمن الناحية الاقتصادية سيخدم المشروع البضائع الواردة من أسواق شرق آسيا عموماً عبر ميناء الملك عبد العزيز بالدمام وأسواق أوروبا وأمريكا الشمالية عبر ميناء جدة الإسلامي، وسوف يجذب مزيداً من التجارة العابرة ويحقق وفورات في اقتصاديات النقل ويزيد بشكل مؤثر الطاقة الاستيعابية لقطاع النقل بشكل عام والنقل بالسكك الحديدية بشكل خاص.
مشروع قطار الحرمين السريع
وهو عبارة عن خطوط حديدية مكهربة بطول يزيد على 500 كم تربط المدينة المنورة بمكة المكرمة عن طريق مدينة جدة. وتتجاوز قيمة المشروع 6.7 مليار ريال، ومن المقرر أن تنتهي أعمال المشروع في نوفمبر عام 2012، ويتوقع أن يقطع القطار السريع المسافة بين جدة ومكة في 30 دقيقة وجدة والمدينة المنورة في أقل من ساعتين، وهذا دليل على أنه سيكون هناك طاقة استيعابية كبيرة للقطار. ويشتمل مشروع قطار الحرمين على: إنشاء خطوط حديدية مكهربة في منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة بطول يزيد على 500 كلم مجهزة بأنظمة إشارات واتصالات حديثة، إضافة إلى توفير قطارات سريعة بأحدث التقنيات المستعملة في القطارات العالمية، إضافة إلى التجهيزات الأخرى التي تجمع بين الضرورة والترفيه والمتعة العالية. وبناء خمس محطات ركاب، منها محطتان في مكة المكرمة، ومحطتان في مدينة جدة في كل من مطار الملك عبد العزيز ووسط المدينة، والمحطة الخامسة ستكون في المدينة المنورة.
ويعمل الخط على تخفيف الضغط والزحام على الطرق بين المدينتين وتعتبر طاقة إركاب القطارات حلاً فعالاً لتخفيف الاختناقات، والراحة والأمان اللذان يوفرهما القطار الذي يقطع المسافة بين جدة والمدينة المنورة في ساعتين، وبين جدة ومكة في نصف ساعة. كما أن المشروع يجمع نموذجين من الاستخدامات الحديثة للسكك الحديدية، هما نموذج (القطار السريع) ونموذج (وصلة المطار) اللذان أثبتا نجاحهما عالمياً متى ما توافرت الظروف الملائمة. ويربط عدداً من مراكز الجذب القوي التي تنطلق منها وإليها أعداد كبيرة من المسافرين، ما يبرز بجلاء الآثار الاقتصادية والاجتماعية.
ومن المتوقع أن يعمل هذا المشروع والمشروعات الأخرى المماثلة على تطوير النشاط السياحي داخل المملكة التي تمتلك مقومات الجذب السياحي بحكم وجود العديد من الآثار والمناطق التاريخية التي يفد إليها السياح من الداخل والخارج.
ويتمثل النشاط الرئيس للمشروع في نقل الركاب الذين يمثل غالبيتهم الحجاج والمعتمرون، ويتوقع أن يصل حجم النقل السنوي للمشروع ما يزيد على ثلاثة ملايين راكب سنوياً، كما ويتوقع أن يتضاعف أعداد الحجاج والمعتمرين خلال الخمس والعشرين سنة المقبلة إلى أكثر من ثلاثة ملايين حاج وأكثر من (11) مليون معتمر بنسبة زيادة سنوية للحجاج تبلغ 1.41% وللمعتمرين بنسبة 3.14% سنوياً، وهو ما يحيي الآمال بتوسع نشاط النقل بالقطار على هذا المسار ويشجع على الاستثمار فيه.
المشروعات المستقبلية
إضافة إلى تلك المشروعات فإن الحكومة تتطلع إلى التوسع في مشروعات الربط السككي لباقي مناطق المملكة الأخرى، وفي هذا المجال تم إنجاز دراسة متخصصة لربط المنطقة الجنوبية بالشبكة من خلال مسارين يصل الأول أبها بالجسر البري مروراً بخميس مشيط والطائف، والثاني ينطلق من جدة وصولاً إلى جازان، وهي من أهم المناطق السياحية بالمملكة.
وبنيت هذه المشروعات على أرضية اقتصادية قوية لقطاع النقل الحديدي تم تأسيسها في منتصف الستينيات الهجرية (الأربعينيات الميلادية)، عندما برزت الحاجة إلى إنشاء ميناء تجاري على ساحل الخليج لنقل البضائع المستوردة عن طريقه إلى مستودعات شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو).
وعندما عرض الأمر على جلالة الملك عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - مؤسس هذا الكيان الشامخ أمر جلالته بتنفيذ المشروع كاملاً ليصل إلى العاصمة الرياض. وتم بالفعل البدء في تنفيذ المشروع في ذي القعدة 1386هـ (أكتوبر)، وفي محرم أقيم احتفال رسمي بافتتاح الخط في الرياض بحضور جلالة الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه.
في عام 1386هـ صدر المرسوم الملكي بإنشاء (المؤسسة العامة للخطوط الحديدية)، وتتمتع بالشخصية المعنوية ويديرها مجلس إدارة يرسم سياستها العامة ويشرف على تنفيذ تلك السياسة.
ونتيجة للتطوير المستمر في البرامج والنشاطات أصبحت المؤسسة في الوقت الحاضر تحتل موقعاً متميزاً على الخريطة الاقتصادية باعتبارها إحدى ركائز منظومة النقل بالمملكة، حيث تسهم إسهاماً فاعلاً في خدمة الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
خط الركاب الذي يربط المنطقتين الشرقية والوسطى مروراً بمحافظتي بقيق والأحساء. بواسطة أسطول ضخم من القطارات وعربات الركاب المختلفة، وقد أطلقت المؤسسة مؤخراً خدمة مميزة لنقل الركاب أطلق عليها اسم (الرحاب)، وقد أنشأت المؤسسة لهذا الغرض في عام 1410هـ ثلاث محطات في كل من الرياض والهفوف والدمام.
خط قطار البضائع بين المنطقتين الشرقية والوسطى ويمتد الخط الحديدي المخصص لهذا الغرض من ميناء الملك عبد العزيز بالدمام إلى الميناء الجاف بالرياض الذي تم إنشاؤه بعد أن لوحظ أن أكثر من 60% من البضائع الواردة عن طريق ميناء الدمام تتجه إلى المنطقة الوسطى، ويتيح هذا الميناء للمستوردين تحميل بضائعهم مباشرة من الباخرة إلى القطار ونقلها بالخطوط الحديدية إلى الرياض وإجراء عملية التخليص الجمركي مباشرة في الموقع. وحينما تم ملاحظة أن جزءاً كبيراً من البضائع الواردة عن طريق ميناء الملك عبد العزيز بالدمام تخص موردين من منطقة الرياض أو ما جاورها، عندها برزت فكرة إنشاء الميناء الجاف بالرياض ليسهم القطار في تخفيف أزمة الازدحام عن طريق تمكين مستوردي البضائع في منطقة الرياض من نقل بضائعهم على القطار مباشرة إلى الرياض، حيث يتم تخليصها جمركياً وتسليمها لهم فيه، وتم افتتاح الميناء الجاف. تشير الدراسات إلى أن السكك الحديدية تعد من أفضل وسائل النقل وخاصة للمسافات الطويلة والحمولات الثقيلة حيث يمكن لقطار واحد نقل ما لا يقل عن حمولة 60 سيارة شاحنة، إضافة إلى الدور الذي تلعبه في المحافظة على البيئة والتخفيف من مخاطر حوادث الطرق واستهلاك الوقود والازدحامات المرورية.
وتؤكد مؤسسة الخطوط الحديدية أن النقل بالسكك الحديدية يعد الوسيلة الأكثر ضماناً وأمناً من النقل على الطرق، وتظهر الدراسات الإحصائية أن عدد الحوادث في السكك الحديدية هو أقل بكثير من الحوادث في وسائط النقل على الطرق. وقد أثبتت الإحصاءات الأمريكية بالنسبة للحوادث على مختلف وسائط النقل أن عدد الضحايا لكل (مليون راكب - كم) على الطرق (0.20) شخصاً بينما هي في السكك الحديدية (0.003) شخصاً، وهذا يعني إن الأمان في النقل على السكك الحديدية يبلغ 66 ضعفاً بالنسبة للنقل على الطرق، كما أظهرت الإحصاءات الأوروبية أن عامل الأمان في السكك الحديدية يبلغ 111 ضعفاً بالنسبة للنقل على الطرق.