إعداد - علي سالم العنزي :
استطاعت السياسة الخارجية للمملكة مواكبة التطورات الحاصلة في السياسة العالمية وتحديد الوسائل المناسبة لتحقيق أهدافها، ولذلك أصبح تعزيز المصالح المتبادلة للمملكة، وبناء جسور الصداقة فيما بينها في عالم متحرك ومتغير لا يمكن فيه الانعزال والانكفاء على الذات، محاور تحرك المملكة الخارجية واضحة أبعادها في الساحات العربية والإسلامية والدولية، يدعمها في ذلك ما تحظى به المملكة من تقدير دولي من واقع ما تتمتع به من استقرار سياسي وازدهار اقتصادي وثبات أمني.
الجولة الآسيوية:
وتُعتبر جولات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العربية والدولية خلال العام تطبيقاً ناجحاً لنظرية الاعتماد المتبادل ودبلوماسية التنمية.. فقد افتتح خادم الحرمين الشريفين بداية عهده بالقيام على رأس وفد رفيع المستوى بجولة آسيوية بدأها في 22 ذي الحجة الموافق 22 يناير 2006، وانتهت في 2 فبراير 2006، وشملت الصين والهند وهونج كونج وماليزيا وباكستان، وأثمرت عن تحقيق نتائج إيجابية كبيرة على المستويات السياسية حيث أظهرت توافقاً في الرؤى بين المملكة وهذه الدول الآسيوية فيما يخص معظم الملفات الدولية الحساسة.. وعلى وجه الخصوص ملف الشرق الأوسط، وأثمرت عن توقيع اتفاقيات اقتصادية وصلت مبالغها إلى عدة مليارات من الدولارات وبخاصة في المجال النفطي، كما ساهمت إلى حد كبير في انفتاح السعودية على البوابة الآسيوية رغبة من خادم الحرمين الشريفين بتوسيع رقعة العلاقات الدولية وتنويعها.
وإذا أضفنا الجولة الأخيرة لخادم الحرمين الشريفين في آسيا إلى جولته -حفظه الله- في إبريل عام 2005 في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية عندما كان ولياً للعهد وزيارة الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى الرياض يوم السبت 4-3-2006، ثم الجولة التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد في اليابان خلال الفترة من 7-9 ربيع الأول 1427هـ الموافق 5-7 إبريل 2006م، تلتها زيارة سنغافورة وباكستان.. وذلك بعد شهرين من جولة خادم الحرمين الشريفين لكل من الصين والهند وهونج كونج وماليزيا وباكستان يتضح أن السياسة الخارجية السعودية اتجهت لتنويع الشراكة شرقاً وغرباً لدعم التنمية في الداخل.
زيارة خادم الحرمين الشريفين لعدد من دول آسيا
الزيارة الأولى: الصين
المحطة الأولى للملك عبدالله كانت في جمهورية الصين الشعبية حيث تم التوقيع على خمس اتفاقيات شملت بروتوكولاً حول التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي وقطاع التعدين، ومحضر الدورة الثالثة للجنة الصينية - السعودية المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري والفني، واتفاقية بين البلدين حول تجنب الازدواج الضريبي على الإيرادات والممتلكات ومنع التسرب الضريبي، واتفاقية بين وزارة التعليم الصينية والمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني للتعاون في مجال التدريب المهني.. وتطرقت المباحثات إلى الملف النووي الإيراني والسلام في الشرق الأوسط، ومكافحة الإرهاب والملف العراقي وأفغانستان.
ومن المعروف أن هناك مشروعات مشتركة بين البلدين للتعاون في المجال النفطي منها مشروع مشترك بين شركة أرامكو السعودية وساينوبيك وأوكسين موبيل في مقاطعة فوجيان الواقعة في شرق الصين لتكرير البترول وإنتاج الإثيلين, ومشروع استثماري لشركة ساينوبيك في المملكة لاستخراج الغاز غير المصاحب.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 1988م «5» مليارات دولار أمريكي وارتفع في عام 2005 إلى 14 مليار دولار أمريكي.. وكانت زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز الأولى للصين في عام 1998 عندما كان ولياً للعهد.
وجاءت الزيارة للصين بعد 16 عاماً من إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.. شهدت فيها العلاقات تطوراً كبيراً، خصوصاً في المجال الاقتصادي.. حيث أصبحت المملكة أكبر شريك تجاري للصين في المنطقة العربية بحجم تبادل تجاري زاد من خمسة مليارات دولار في عام 2002 إلى نحو عشرة مليارات ومائتي مليون دولار في عام 2004 و14 مليار دولار عام 2005 وتأمل الصين أن يرتفع حجم التبادل بينهما إلى الضعف خلال السنوات الخمس القادمة.. وفي هذه الأثناء، بلغت قيمة صادرات السعودية من النفط للصين نحو أربعة مليارات دولار في عام 2004، بالإضافة إلى زهاء ثلاثة مليارات ونصف المليار من المنتجات البتروكيماوية.. ومع الارتفاع المطرد في استهلاك الصين للنفط ومحاولتها زيادة احتياطيها الإستراتيجي إلى مائة مليون برميل من النفط، أي ما يعادل إجمالي استهلاكها في شهر واحد، يبدو من الواضح اتساع وكبر الفرص الاستثمارية المتاحة بين المملكة والصين.. فالصين حريصة على توفير إمدادات نفط مضمونة ومستمرة من ناحية، وتسعى إلى توسعة وبناء وتطوير المصافي القديمة وبناء مصافٍ جديدة لتوفير حاجتها المتزايدة من النفط والغاز، خصوصاً بعد أن حققت الصين أحد أعلى معدلات النمو في العالم.
الزيارة الثانية: الهند
المحطة الثانية للملك عبدالله بن عبدالعزيز كانت في الهند حيث تم التوقيع على اتفاقية نفطية خاصة.. فالهند رابع مستورد وثالث أكبر مستهلك للنفط في آسيا.. حيث يبلغ احتياج الهند يومياً نحو 1.9 مليون برميل.. ووقَّع وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل ووزير الشؤون الداخلية الهندي باتل شبراج مذكرة تفاهم حول التعاون بين البلدين في مجال مكافحة الجرائم.
ووقَّع وزير المالية الدكتور إبراهيم بن عبد العزيز العساف ووزير الدفاع الهندي براناب مخرجي اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات بين البلدين.
كما وقَّع الوزير العساف والوزير مخرجي اتفاقية تفادي الازدواج الضريبي.. فيما وقَّع وزير الثقافة والإعلام إياد بن أمين مدني.. ووزير الدولة لشؤون الشباب والرياضة الهندي أوسكار فرنانديس اتفاقية تعاون بين البلدين في مجال الشباب والرياضة.. وتم التطرق خلال المباحثات إلى وضع المسلمين في إقليم كشمير وإلى العلاقات الهندية - الباكستانية.
وعلى الرغم من أن هذه أول زيارة قام بها ملك سعودي إلى نيودلهي خلال 50 عاماً منذ زيارة الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود في عام 1955م فإن هذا التوجُّه شرقاً نمَّ عن رؤية واضحة وبصيرة ثاقبة وقراءة سليمة للتطورات والمتغيرات التي تشهدها الساحة الدولية بشكل عام، ومنطقة جنوب شرق آسيا على وجه الخصوص.. فالهند ستصبح أكبر بلد في العالم، وسيتجاوز عدد سكانها عدد سكان الصين خلال أقل من عقدين من الزمن.. وخلال السنوات القليلة الماضية حققت الهند أحد أعلى معدلات النمو في العالم، ومن المتوقع أن يستمر هذا النمو في المستقبل المنظور.. وبالإضافة إلى كونها دولة نووية فهي المصدر الأول للموارد البشرية الماهرة، وأصبحت بحق (سيليكون فالي) جديداً يصدر برامج الكمبيوتر المتقدمة.. لذلك، فإنه ليس من المستبعد أن تنجح الهند في مسعاها لتصبح عضواً دائماً في مجلس الأمن. أما على صعيد العلاقات بين الهند ومنطقة الخليج، فهي قديمة قِدم الزمن نفسه، فهناك نحو أربعة ملايين هندي يعملون في دول مجلس التعاون، منهم زهاء مليون وستمائة ألف عامل في المملكة.. تصل قيمة تحويلاتهم السنوية إلى ما يقرب من المليار ونصف المليار دولار سنوياً.. كما شهدت التجارة البينية بين الهند والمملكة ارتفاعاً حاداً ليصل إلى 2.6 مليار دولار خلال عامي 2004 و2005م مقارنة بستة ملايين في عامي 1963 و1964م، عدا صادرات النفط السعودية إلى الهند التي تُقدَّر بنحو ستة مليارات دولار أخرى.. أضف إلى ذلك الاستثمارات المالية والمشاريع المشتركة في المملكة والهند.
الزيارة الثالثة: ماليزيا
والمحطة الثالثة لخادم الحرمين الشريفين كانت في ماليزيا حيث تم توقيع اتفاقيات بين قطاعي الأعمال السعودي والماليزي بنحو 596 مليون دولار، وخلال الفترة الواقعة بين عامي 1991 و2003 تضاعف حجم التبادل التجاري بين المملكة وماليزيا أربعة أضعاف ليرتفع من 212 مليون دولار إلى 991 مليون دولار، وارتفعت صادرات ماليزيا إلى المملكة من 108 ملايين دولار إلى 408 ملايين دولار.. وارتفعت واردات ماليزيا من المملكة من 104 ملايين دولار إلى 583 مليون دولار في الفترة نفسها.
الزيارة الرابعة: باكستان
أما علاقات المملكة مع باكستان فلا تقل أهمية عن علاقاتها بالهند.. فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين الدولتين من 2.127 مليار دولار في عام 2004 إلى 2.832 مليار دولار في عام 2005، في حين بلغت تحويلات العمال الباكستانيين من المملكة خلال السنة المالية 2005 نحو 627.19 مليون دولار أمريكي.. في حين بلغت تحويلات العمال الباكستانيين من السعودية خلال السنة المالية 2005 نحو 627.19 مليون دولار أمريكي.. كما ترتبط كل من المملكة وباكستان بمعاهدات للتعاون في العديد من المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية والأمنية والعسكرية ومكافحة الإرهاب.