تقرير - منيف خضير
كانت للنشأة الأولى لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - مع أخواله في بادية الشمال أثرها في تشكيل هواياته منذ الصغر، إذ اعتبرت الصحراء عشقه الأول، فأحب رياضة المشي فيها والتأمل في وهادها وتلالها، والتقاط الكمأ تلك النبتة الشهيرة التي يسميها العرب (بنت الرعد)، ومنحته الصحراء حكمتها الدائمة، وتجلت في طفولته معاني الصبر والحكمة والصلابة مستلهماً من الصحراء كل ذلك.
وحينما انتقل مع والدته الأميرة فهدة الشريم -رحمها الله- للعيش في كنف الملك عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه-.
كان الملك عبدالعزيز هو معلّمه الأوّل، فهو الذي أثّر فيه تأثيراً واضحاً جليّاً، وذلك عندما أفاد الملك عبدالله من مدرسة والده، ومن تجاربه في مجالات الحكم، والسّياسة، والإدارة، والقيادة.
القراءة في الصباح وفي المساء
ومن هواياته التي اكتسبها من ملازمة كبار العلماء والمفكّرين الذين عملوا على تنمية قدراته منذ صِغره هي القراءة لذلك فهو حريص دائماً على لقائهم، بالإضافة إلى لقاءاته مع أهل الحلّ والعقد، سواء من داخل المملكة، أومن خارجها فأصبح الرافد الثّالث لثقافته ما استمدّه من قراءاته المختلفة في كلّ المجالات؛ فهو لا يستوحش الكتاب، حتّى وإن كان على خلاف معه. يقرؤه إمّا ليعي خطأه، أو ليدرك صوابه. وهو يرى في القراءة، وحسن اختيار الكتاب طريقاً إلى فهم ثقافة العصر، ومعرفة نظريّاته، وإدراك أفكاره، إنه يتعامل معها، أي القراءة، بوصفها رياضة روحيّة عقليّة؛ لذلك فقد أعطاها من وقته الكثير، ولعلّ خير معبّر عن ذلك قوله: «لايغنيك كتاب قرأته في المساء عن كتاب تقرأه في الصباح «.
كما أولى المثقّف والكاتب اهتمامه البالغ، فكان من نتائج ذلك أن أسّس مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في الرياض، كما أسّس شقيقتها الأخرى في الدار البيضاء في دولة المغرب الشقيق.
ويعدّ توجيهه بإنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني من إسهاماتة الثقافيّة الكبرى؛ ليكون ملتقى للحوار يسهم في تقديم الرؤى، وبلورة الأفكار النيّرة
كما أنّ رعاية المهرجان الوطني للتراث والثقافة الذي ينظّمه الحرس الوطني من أبرز اهتماماته الثقافية، الذي بدأ عام (1405هـ) ويقام سنوياً في الجنادريّة، ويستقطب العلماء والأدباء والشعراء والمفكّرين من العالم أجمع، الأمر الذي قدّم لأرباب العلم والثّقافة في المملكة العربيّة السعوديّة، أو خارجها فرص التّعارف، واللّقاء وفق حوار فكريّ في كلّ العلوم والثقافات وآدابها.
ويروي المقربون من الملك عبد الله أنه يستخدم الآن الإنترنت لمواكبة العصر وللاطلاع على الأحداث كلما غاب الكتاب في زحمة الجداول المزدحمة بخدمة المواطنين وقضايا الأمة.
الفروسية وسباق الهجن.
أما هوايته الأثيرة فهي الفروسية من خلال ما تحققه من إحياء للتراث العربي الأصيل، لذلك فأكثر الخيل أصالة جمعها ولا زال يجمعها ويحتفظ بها. وحين خشي أن تندثر هذه الرياضة، وتفقد الخيل أصالتها وخصائصها العربية أسس نادي الفروسية في مدينة الرياض، وشجع الآخرين على المحافظة على هذه الرياضة الأصيلة التي لا زمت الدولة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها.
ويقول الشيخ محمد الفغم -الحارس الشخصي السابق للملك- للملك فراسة بمعرفة الخيل، حيث يتوقع تميز حصان معين وكثيراً ما يكسب الرهان في ذلك بعد أن يخالف الجميع، ومن المواقف التي شهدتها وتدل على فراسته أنه كان جالساً في مضمار الخيل وبجواره شقيقه صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالعزيز -نائب رئيس الحرس الوطني- وكان سايس الخيول يقتاد عدداً من الخيول على مقربة منهما، ومع قدوم إحدى الخيول طلب الملك عبدالله من الأمير بدر الابتعاد بسرعة حيث أدرك من حركة الخيل أنها جامحة وتستعد للمهاجمة والرفس، وفعلاً حدث ما توقعه الملك وسط استغراب الحضور.
وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يستغل هذه الرياضة لتقوية العلاقات بين الدول الصديقة والشقيقة حيث سبق أن شرف سباق الفروسية الذي أقيم بميدان نادي «فرانس جالوب» للفروسية في مقاطعة سان كلو التابعة لمدينة باريس، وفي بلدان أخرى كثيرة.
ومن هواياته الأخرى سباق الهجن والتي تعقد له مسابقة سنوية ضمن فعاليات وطنية من أبرزها مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة ،إحياءً لهذه الرياضة العريقة وحفاظاً على الموروث الأصيل.
القنص والرماية والمشي
وتظهر الصحراء مرة أخرى في هوايات الملك عبدالله بشكل أو بآخر حيث يفضل الملك عبدالله الصيد بالصقور وهي رياضة عربية أصلية تحافظ على الحياة الفطرية ويمارس هواية القنص باستخدام الصقور، وهذه الرياضة برع فيها العرب -خصوصاً- في منطقة الخليج العربي، وقد انتشرت في أوروبا ومناطق كثيرة من العالم. ويتم صيد صغار الحيوانات كالأرانب والطيور -خصوصاً- طير الحبارى وغيره من الطرائد. تبدأ هذه الهواية ابتداء من صيد الصقر نفسه وحتى استئناسه وتدريبه والاعتناء به ومن ثم استخدامه في الصيد. ومن أشهر صقور الصيد: الحر والشاهين والباشق بأنواعهم المختلفة، والملك عبدالله يقتني أفضل الصقور المدربة، ويقوم بإهداء النفائس منها لأصدقائه وأقربائه ويتقبل منهم الهدايا من مثلها جرياً على العادات العربية التي تعكس المحبة والتقدير بين الأصدقاء.
كما يفضل خادم الحرمين الشريفين الرماية ببنادق الصيد وغيرها، وهو ماهر في ذلك يشهد له أصدقاؤه ومرافقوه الذين يشيدون بنبوغه مبكراً في هذه الهواية التي يمارسها كلما خرج إلى الصحراء الممتدة، وكلما خرج إلى روضة خريم -قرب العاصمة الرياض-، ويذكر أصدقاء الملك أنه كثيراً ما يعشق التحدي مع مرافقيه، وكثيراً ما يجيد التصويب في أكثر الأماكن دقة وصعوبة، باختصار إنه ورث هذه الهواية من والده الفارس الأصيل عبدالعزيز آل سعود.
كما يستغل خادم الحرمين الشريفين الصحراء والبر بممارسة رياضة المشي كما أسلفنا ويمارس أيضاً هذه الرياضة قرب البحر في مقر إقامته بجدة، ويجد متعة في المشي لساعات طويلة في زياراته الخارجية، والمشي عند الملك عبدالله هو فرصة للتأمل والتفكير في القضايا التي تحتاج إلى حل.
العرضة السعودية
لا يختلف اثنان على أن خادم الحرمين الشريفين من أكثر الشخصيات الخليجية إجادة لرقصة الحرب (العرضة النجدية)، والتي يتمايل عليها طرباً لقرع الطبول في صفوف منتظمة تردد بعض القصائد الخالدة والتي من أشهرها :
نحمد الله جت على ما نتمنى.. من وليّ العرش جزل الوهايب»
هذا هو مطلع العرضة النجدية الشهيرة التي دائما ما تقام كمظهر يفخر به السعوديون داخل وخارج المملكة..
وهي أبرز وأشهر الفنون الفلكلورية النجدية وهي ناتجة عن تطور قديم عرفها العرب منذ الجاهلية في حالة الحرب. يقول ابن خميس في كتابة المشهور عن أهازيج الحرب:
والشعر الحربي هو اللكنة التي يفزعون إليها والمقالة التي يصدعون بها والمعوّل الذي يجتمعون حوله ويقفون وراءه.. فإذا حزب الأمر، نادى المنادي بالبيشنة أو صوت بالحوربة وهرع بأعلى صوته ليستجيب له من حوله ومن ثم يهزج بها تتفق والغرض وتتلاءم والداعي ليردها الفريق الأول في صفه المنتظم ثم يتلقاها الفريق الثاني في صفه كذلك. وإذا طاب لهم الصوت وتناغم الهاتف قرعت الطبول على نحو رتيب وتجاوب عجيب، تأخذ طائفة من أهل الطبول إيقاعاً واحداً، وتأخذ الطائفة الأخرى شكلاً من الإيقاع يخالف الشكل الأول يسمى (الإثلاث)، فكأنه يثلث القرعتين الأوليين بثالثة، ولكنه يعطيه نغمة وتوقيعاً مؤثراً تبدأ معه حركات الصفوف وهز السيوف على نحو يتفق والإيقاع، فتراهم كتلة واحدة متحركة.
والملك -رعاه الله- يمارس العرضة السعودية في مناسبات وطنية عدة ويرتدي لها لباسها الخاص ملوحاً بالسيف العربي الأصيل.
لابول أو البولينج البرية
من هوايات الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- ممارسته رياضة البولينج الصحراوي في الصحراء و-خصوصاً- في منتزه روضة خريم الربيعي والذي يقضي فيه الملك بعض الوقت سنوياً، ويطلق على هذه الرياضة اسم «لابول «، وهي لعبة فرنسية الأصل ويمارسها الإنجليز بشكل مكثف، وتنظم لها بطولات على مستويات فردية وجماعية، ولها قوانين معتمدة. ويجيد خادم الحرمين ممارسة هذه اللعبة، ويعتبر رامياً ماهراً لها.
و»لا بول» لعبة شبيهة بالبولينج ذي الكرات العشر وهي تنسب إلى مدينة بول، Escoublac، ويشار إليها عادة باسم أبول، هي بلدية في لوار أتلانتيك، قسم في غرب فرنسا.
ولا يوجد مسمى ثابت لهذه اللعبة، ولكن أقرب الأسماء لها « البولينغ الصحراوية»، أو «البولينغ البرّية»، وقد تم تطويرها من لعبة البولينغ المعروفة، ويفضل الملك عبد الله مزاولتها خلال تواجده في روضة خريم، أو خلال استقباله الزعماء والساسة كونها تضفي جانباً من المرح والسعادة على الحضور.
البولينج والسفر
ومن الهوايات التي يعشقها الملك عبدالله -حفظه الله- السفر إلى بلدان العالم والاطلاع على ثقافات الشعوب، وقد أتاحت له مواقعه ومناصبه الحكومية المختلفة سفرات عديدة حيث شاهد معظم بلاد العالم تقريباً، ويقول أحد أصدقائه المقربين: إنه يفضل البلاد العربية؛ لأنه عروبي بطبعه وأخلاقه، وهو يعشق البلاد العربية ويعتز بها، يقضي فترات طويلة أثناء القنص والرحلات البرية في المغرب الشقيقة، وكذلك في بادية الشام، ويمارس المليك -حفظه الله- رياضة البولينج المعروفة أثناء سفره للخارج، وهو ماهر بها، ويمارس المشي أيضاً، ومن أبرز الدول التي زارها واطلع على ثقافاتها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا والصين وعشرات الدول التي نهل من ثقافتها وشارك شعوبها ثقافتهم، فالسفر عنده -يحفظه الله- قرين الثقافة والاطلاع.
أما الآن وقد أثقلت كاهل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز المسؤوليات العظمى لأمته العربية والإسلامية، ولمتطلبات التنمية في البلاد، فإن كثيراً من الهوايات لم تعد ممارستها ممكنة في ظل المسؤوليات العديدة، ولكن تبقى دقة المواعيد وحسن تنظيم الوقت لدى الملك المحبوب داعماً قوياً للإبقاء على العديد منها بما تسمح به ظروفه الحالية.