الطائف - واس
ثمَّن سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ، المفتي العام للمملكة العربية السعودية رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، الأعمال الجليلة والإنجازات الكبيرة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - على المستويين الداخلي والخارجي. ونوه سماحته بجهود الملك المفدى الحثيثة في الدعوة إلى الحوار الوطني، وجمع الكلمة والقضاء على أسباب الخلاف والشقاق والتفرق بين أبناء الوطن وتوحيد الجهود لخدمة الوطن والسعي في الحفاظ على مكتسباته ومنجزاته.
جاء ذلك في كلمة لسماحة المفتي العام للمملكة تحت عنوان: (خادم الحرمين الشريفين: مسيرة عطاء وإنجاز)؛ بمناسبة الذكرى الخامسة لمبايعة خادم الحرمين الشريفين، فيما يأتي نصها:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإن من فضل الله علينا أن شرّفنا بهذا الدين القويم، وجعلنا من عباده المؤمنين، ومن أمة خير خلقه خاتم النبيين محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم -. ومن عظيم كرمه وإحسانه ثانياً أن جعل لمملكتنا الغالية قادة مخلصين، يتخذون من الإسلام منهجاً لهم في الحُكْم والإدارة وسائر شؤون الحياة الفردية والاجتماعية. وهذا من فضله سبحانه أولاً، ثم بفضل دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب، الذي دعا إلى الإسلام الصحيح، وحارب الشركيات والبدع والخرافات في هذه الأرض المباركة، وأيده في ذلك الإمام محمد بن سعود بعد الاتفاق الذي تم بينهما لنصرة التوحيد، ورفع لواء الشريعة وتحكيمها في شؤون الناس وقضاياهم، وتطبيق الحدود الشرعية في المجتمع؛ فقام الحكم السعودي على هذا الأساس الشرعي الواضح المبين، على تعاليم كتاب الله تعالى وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، وتتابعت الحكومة السعودية الأولى، ثم الثانية على هذا المنوال، وعلى هذا النهج السديد المبارك. ثم جاء دور الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود؛ فأعاد تأسيس هذه المملكة على نهج أسلافه، بعد أن قام بتوحيد البلاد وجمع القبائل المتفرقة والمتناحرة فيما بينها تحت لواء واحد، وتحت قيادة واحدة؛ فتأسست المملكة على عقيدة التوحيد، واتحاد الأخوة، ووحدة الكلمة، وأصبح قاطنو هذه المملكة إخواناً متحابين يعيشون في ظل قيادة بارة مشفقة حريصة على مصلحتهم ومنفعتهم. وبذل الملك المؤسس جهوده الحثيثة في إرساء قواعد هذه المملكة، وتحكيم بنائها، وإشاعة الأمن والاطمئنان في ربوعها، وخدمة الشعب في تحقيق كل ما من شأنه راحة المواطنين، وسعادتهم، وتوحيد صفوفهم، ولمِّ شملهم، وجمع كلمتهم. ووضع الملك المؤسس - رحمه الله - لإدارة البلاد قواعد ومبادئ وأسساً مستقاة من تعاليم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأصول الإسلام وقواعده العامة، وجعل تطبيق الشريعة ونشر الدعوة الإسلامية في أولويات اهتمامه في بناء هذه المملكة. كما رسم المنهج الصحيح، والسبيل القويم لأبنائه الذين سيتولون الحُكْم من بعده، وأولى تربيتهم عناية فائقة؛ فرباهم على عقيدة التوحيد، ومحبة الدين، وحب أبناء الوطن، والتفاني في خدمتهم بكل ما لديهم من جهود وإمكانيات؛ فكانت لهذه العناية الفائقة أثرها الطيب في تنشئة الأبناء تنشئة إسلامية نبيلة، وتهيئتهم لتحمل أعباء المسؤولية على أحسن وجه وأكمله، والقيام بخدمة هذا الوطن المبارك خير قيام. وقد سار من بعده أبناؤه البررة كل من: سعود، وفيصل، وخالد، وفهد - رحمهم الله - على خُطا والدهم، وعلى النهج الذي رسمه لهم في تولي شؤون الحكم وإدارة البلاد وخدمة الشعب والموطنين. فكان لكل واحد منهم لمسات طيبة، ومواقف مشرفة، وجهود مخلصة، يتفانى في خدمة الدين ثم الوطن. وقد تحقَّق في عهودهم إنجازات كبيرة، وكانت لهم جهود مباركة في إقامة مشاريع عظيمة خيرة مباركة في خدمة الدين ثم الوطن، وفي مقدمة تلك الجهود عنايتهم البالغة بخدمة الحرمين الشريفين وخدمة ضيوف الرحمن.
عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود
وفي اليوم السادس والعشرين من شهر جمادى الآخرة 1426هـ، بعد رحيل الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - تمت المبايعة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - ملكاً للبلاد، وهذه البيعة قد تمت وفق الضوابط الشرعية، وبرضا الشعب وإرادته. وقد استهل خادم الحرمين الشريفين تولي هذه المسؤولية العظيمة بهذه الكلمات، فقال - حفظه الله -: «إنني إذ أتولى المسؤولية بعد الراحل العزيز (الملك فهد بن عبدالعزيز)، وأشعر أن الحمل ثقيل، وأن الأمانة عظيمة، أستمد العون من الله - عز وجل -، وأسأل الله سبحانه أن يمنحني القوة على مواصلة السير على النهج الذي سنه مؤسس المملكة العربية السعودية العظيمة جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود - طيب الله ثراه - واتبعه من بعد أبناؤه الكرام - رحمهم الله -، وأعاهدكم أن أتخذ القرآن دستوراً والإسلام منهجاً، وأن يكون شغلي الشاغل إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة». بهذه الكلمات الضافية بدأ خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله - عهده الميمون بعد أن بايعه الشعب السعودي ملكاً وقائداً للمملكة العربية السعودية. وقد كان خادم الحرمين - حفظه الله - بتوفيق الله تعالى عند وعده الذي أبرمه على نفسه؛ فاتسم عهده بالإنجازات التنموية الكبيرة، والمشاريع العملاقة، والنهضة الشاملة في مختلف المجالات الدينية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، والتربوية، على المستويين الداخلي والخارجي.
الإنجازات التي تمت في عهد خادم الحرمين الشريفين
وكان ذروة سنام الإنجاز والعطاء لخادم الحرمين الشريفين استكمال مشروعات خدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وتيسير أداء المناسك على حجاج بيت الله الحرام براحة وطمأنينة. تمثلت تلك الإنجازات: في توسعة الحرمين توسعة جديدة، وتزويدها بخدمات إضافية تساهم في راحة الزوار من الحجاج والمعتمرين. ثم من المشروعات والخدمات الجليلة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين لضيوف الرحمن توسعة الجمرات وبناء الجسور لتيسير تفويج الحجاج، ورمي الجمرات بكل يُسْر وسهولة، والحيلولة دون حصول التزاحم الذي طالما أدى إلى الأضرار البالغة في الأرواح والأجساد طيلة السنوات الماضية، فانتهت أزمة رمي الجمرات التي كان يعاني منها الحجاج في الفترة السابقة، وبفضل الله ثم بفضل هذا المشروع الجبار لم يعد هناك أية مشكلة أو صعوبة الآن في رمي الجمرات وتفويج الحجاج. كما أن هناك مشاريع أخرى يجري العمل عليها الآن، كلها تأتي لأجل راحة الحجيج، والتيسير عليهم في أداء نسكهم سواء في المشاعر المقدسة، أو في داخل الحرمين الشريفين. وأما يتعلق بالمؤسسات الدينية فقد بذل خادم الحرمين الشريفين عنايته الكريمة بتطوير الإدارات والمؤسسات الدينية لأجل تحقيق أداء أفضل في أعمالها وإنجازاتها. ومن ذلك إنشاء مبان ومقار جديدة لعدد من تلك المؤسسات المهمة، وتزويدها بأحدث الأجهزة والوسائل اللازمة التي تتناسب وتطوير العمل الإداري. فعلى سبيل المثال: تم افتتاح مقر جديد لكل من: الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء (مقر المفتي العام) في الطائف، ومقر جديد لمجلس القضاء الأعلى في الرياض، ومقر جديد لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الرياض، ومقر جديد للمحكمة العليا في الرياض، والبدء في مشروع المقر الجديد للمحكمة الجزئية في الرياض، كما تمت التوسعة وتطوير الهيكل التنظيمي للمجلس الأعلى للقضاء، وعدد من المحاكم، كما تمت توسعة عضوية هيئة كبار العلماء. وأما في المجال السياسي فقد اتسمت سياسة خادم الحرمين الشريفين الخارجية بالحنكة السياسية، والحكمة، واللباقة؛ ما عزَّز ذلك من موقف المملكة العربية السعودية ودورها في الشأن العالمي والإقليمي. وقد سعى خادم الحرمين الشريفين في توحيد المواقف وتقريب وجهات النظر بين المتخالفين، والصلح بين الأطراف المتخاصمة، وإجلاسهم على طاولة واحدة، وحثهم على نبذ الخلاف، والشقاق، ومحاولة نزع فتيل القتال بين الفصائل المتقاتلة. ومما يُذكر ويُشكر لخادم الحرمين الشريفين على المستوى الخارجي دعمه السخي للمتضررين والمنكوبين من المسلمين، والوقوف معهم في الأزمات والشدائد؛ فقد وقف وقفة مشرفة مع معاناة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة إثر العدوان الغاشم من القوات الإسرائيلية على غزة، وقيامها بالقتل والتدمير، والتشريد لأبنائهم.. فمدّ - حفظه الله - إلى الشعب الفلسطيني المنكوب يد العون والمساعدة، أثناء الحرب وبعدها، بإرسال مواد غذائية، ومعونات إغاثية، ولوازم طبية، ونقل عدد من المصابين إلى المملكة وعلاجهم في مستشفياتها. وأعلن - حفظه الله - تبرعه السخي بألف مليون دولار لإغاثة أهل غزة، وإعادة بنائها. وقد كانت نزعة الخير والرحمة ظاهرة جلية في مواقف خادم الحرمين الشريفين، وذلك بدعمه ومساعدته لسائر المنكوبين والمتضررين من جراء الكوارث والحوادث والزلازل والبراكين في الدول غير الإسلامية، والوقوف معهم في معاناتهم، والدعم المالي لهم بما يخفف عليهم مأساتهم ومصيبتهم. وأما على المستوى الداخلي فقد ظهرت جهود خادم الحرمين الشريفين الحثيثة في الدعوة إلى الحوار الوطني، وجمع الكلمة، والقضاء على أسباب الخلاف والشقاق والتفرق بين أبناء الوطن، وتوحيد الجهود لخدمة الوطن المشترك الواحد، والسعي في الحفاظ على مكتسباته ومنجزاته. كما أمر - حفظه الله - بتطوير الإدارات الحكومية، وتطوير أجهزتها، ورفع إمكانياتها؛ ليكون الأداء والإنجاز في تلك الإدارات على مستوى تلبية حاجات المواطنين على أكمل وأفضل وجه. كما سعى - حفظه الله - في محاربة ما قد يوجد من فساد إداري في بعض المؤسسات والإدارات، وأمر بوضع آليات عملية للقضاء على هذه الظاهرة السيئة. وأما فيما يتعلق بخدمة المواطنين وحمل هموم الشعب السعودي، والوقوف على أحوالهم ومعاناتهم وحاجياتهم.. فلم يكن خادم الحرمين الشريفين إلا رجلاً من عامة الشعب يعيش همومهم ويشاركهم أفراحهم وأتراحهم، ولا غرو في ذلك؛ فقد قال -حفظه الله - بنفسه: «ما أنا إلا مواطن شريك في الهدف والمصير. ورؤية أهلي في كل مناطق المملكة مصدر سعادتي». من هذا المنطلق كانت رؤيته في التعامل مع قطاعات الشعب السعودي كافة. وقد أكدت جولاته - حفظه الله - في أنحاء المملكة كافة هذه الرؤية وجسدتها بشكل عميق.. فكثير من الجولات لم تكن فقط رسمية لافتتاح مشاريع تنموية أو غيرها؛ بل كانت هناك الكثير من المشاركات الاجتماعية والجولات التفقدية للاطمئنان على الشعب وتفقد حاجياته عن قُرب. فوقف - حفظه الله - بنفسه على أحوال المحتاجين والمعوزين، وأمر بتحسين أوضاعهم ومنحهم مساعدات مالية وعينية. وفي المجال الاقتصادي برزت جهود خادم الحرمين الشريفين بشكل واضح وجلي في سبيل تحقيق نهضة اقتصادية شاملة في مختلف المجالات الاقتصادية والتنموية؛ لتحقيق التقدم، والرفاهية، والراحة لأبناء الوطن، وتهيئة فرص العمل الشريف لكل مواطن، والقضاء على الفقر، والبطالة في المجتمع.. فقامت في عهده مشروعات اقتصادية عملاقة، كان من أبرزها مشروع مدينة الملك عبدالله الاقتصادية التي تُعتبر مشروعاً اقتصادياً وتنموياً ضخماً، ومؤشراً قوياً على أن المملكة بدأت تدخل في مصاف الدول الاقتصادية والصناعية الكبرى. وفي مجال التعليم بذل خادم الحرمين الشريفين جهوداً مباركة لتطوير التعليم العام في المؤسسات التعليمية بالمملكة، وتزويدها بأحدث الوسائل والتقنيات والوسائل المتطورة. وقد تم إنشاء عدد من الجامعات في عهده الزاهر؛ ما جعل المملكة تصعد إلى مصاف الدول الكبرى والمتقدمة في مجال التعليم الجامعي والتعليم العالي. كما تم فتح برنامج التعليم عن بُعد في الجامعات السعودية، وكذلك تم فتح برنامج التعليم الموازي في التعليم العالي، وتحمل -حفظه الله - رسوم تكلفة الدراسة للطلاب والدارسين في هذا البرنامج؛ ما أتاح الفرصة لعدد كبير من الطلاب المتخرجين الذين لم يتمكنوا من إكمال دراساتهم العليا في الجامعة. كما تم إيجاد وإحداث كراسي علمية وبحثية في عدد من الجامعات السعودية؛ ما سيسهم في توسعة دائرة البحوث العلمية، وتحسين مستواها العلمي، وتيسير الفرص والإمكانيات للباحثين لإجراء بحوث علمية دقيقة في جميع التخصصات. كما أولى خادم الحرمين الشريفين رعاية كريمة للموهوبين والمتفوقين، فتم في عهده إنشاء مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين. وفي المجال الصحي تم إنشاء عدد من المستشفيات الجديدة، وتم تطوير المستشفيات والمراكز الصحية الموجودة، وتم تزويدها بأحدث الآلات والأجهزة الطبية والمخبرية اللازمة التي مكَّنت الأطباء في مستشفيات المملكة من إجراء عمليات طبية كبيرة ومعقدة لا تتم إلا في الدول المتقدمة. ومن ذلك فقد تم عدد من عمليات فصل التوائم السيامية في مستشفيات المملكة تحت رعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين وعلى نفقته الخاصة.. وغيرها كثير من الأعمال الجليلة والإنجازات الكبيرة الجديرة بالذكر والتقدير والتنويه، التي تُعدُّ مفخرة عظيمة لخادم الحرمين الشريفين، ومؤشراً إيجابياً على رقي ونهضة المملكة العربية السعودية، وخطاها السريعة نحو الازدهار والتقدم في عهده الميمون. فجزى الله راعي هذه المسيرة المباركة خير الجزاء، وبارك في جهوده الخيّرة لخدمة الإسلام والمسلمين بعامة، وخدمة هذا الوطن المبارك ومواطنيه بخاصة. ونسأله سبحانه أن يُلبس خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين والنائب الثاني ثوبَ الصحة والعافية المجللة، وأن يحفظهم ذخراً للإسلام والمسلمين، ويجعلهم مصدر خير وبركة لرعيتهم، وأن يجعل ما يبذلونه من جهود مباركة في موازين حسناتهم يوم القيامة.
وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.