بعد سبعة عشر عاماً تقريباً، أي في عام 1448هـ 2027م، سيكون طلاب الصف الأول الابتدائي يقرعون أبواب التوظيف العالمي، التحدي الحقيقي أمام قادة العمل التربوي اليوم، كيف نربي هؤلاء الصغار لهذا اليوم المنتظر؟، كيف لنا أن نبني القناعات الضرورية في عقيلة ابن السابعة من عمره من أجل أن تكون هذه القناعات حصنه الواقي ودرعه المتين الذي به يتترس من مضلات الفتن ومسالك الأهواء والمحن، ما هي القيم التي لابد أن نغرسها في نفوس هؤلاء النشء حتى يتمكنوا من خوض عراك الحياة بحكمة واقتدار، وما هي المهارات التي سيحتاجونها لمزاولة مهن المستقبل، هل سيقضي التطور التقني-كما يتوقع الكثير من المتشائمين- على فرص العمل التي نتطلع أن يشغلها أبناؤنا عندما يكبرون، أم أنه -كما هي نظرة المتفائلين- سيولد فرص عمل جديدة وسيحقق تطوراً بشرياً هائلاً يوظف التقنية لصنع حضارة بشرية؟.. ربما هي اليوم من عالم الخيال وسنكون نحن بعقول الجيل القادم قادرين على أن نكون فاعلين لا مستهلكين وتابعين. سؤال آخر هو أيضاً يعد تحدياً حقيقياً أمام قادة العمل التربوي اليوم: ترى هل سيزاحم الرجال الآليون في ذلك التاريخ 1448هـ الصناع والزراع، بل وحتى المهندسين والأطباء؟، نعم عددهم اليوم نحو مليون رجل آلي فقط نصفهم في اليابان ويمتهنون صناعة السيارات ولكن كل المؤشرات والدلائل تدل على تزايد أعدادهم سنوياً بنسبة 30%، ويتوقع -كما يشير الخبراء- تعميم استخدام الإنسان الآلي في جميع مصانع العالم في السنوات القليلة القادمة ملغياً بذلك ملايين الوظائف التي يشغلها الإنسان، أكثر من هذا هؤلاء الرجال سيكونون غاية في الصغر وسيتمكنون من أداء مهام دقيقة جداً، إذ يحاول المخترعون في اليابان على تزويد الرجل الآلي بأيدٍ صناعية ذات مفاصل كامتداد للأذرع الصناعية الحالية مما يسمح لهم بإتمام المنتجات الأكثر تطوراً بشكل آلي، كما أنهم يعملون على تجهيزهم بمزيد من الذكاء الاصطناعي ليتمكنوا من تأدية مهام متطورة جداً وأكثر دقة كالتوجيه والتعرف بصرياً على البضائع ومعالجتها بغرض الإحصاء أو قراءة الأرقام المتسلسلة للمنتجات، كما ويتم إنشاء معامل تستطيع صناعة أغراض وفق الطلب وبدون عمال، ليس هذا فحسب، بل سيستخدم الرجل الآلي في أغراض طبية جراحية، إذا كان الأمر كذلك فما هي المهارات والمعارف التي لا بد أن ندرسها التلاميذ منذ هذه اللحظة؟، ومثل هذا التحدي. التعليم عن بعد وفرضية إمكانية تسريح عدد من المعلمين خاصة في التخصصات النظرية، وسهولة الحصول على المعرفة، وعولمة الأسواق، وسهولة انتقال رأس المال البشري، و... كل هذه التغيرات تفرض على قادة العمل التربوي رسم معالم المدرسة التي سيتخرج فيها بعد أثني عشر عاماً شاب مؤهل لأن يكون مشروع إنسان مؤسس للتعامل مع حياة جديدة قد تختلف عن حياتنا اليوم اختلافاً جذرياً ولا يعلم الغيب إلا الله، هذا على مستوى الفرد أما على المستوى الوطني فهناك سؤال أساس وملح يفرض نفسه على قادة العمل التربوي خاصة في هذا الوقت بالذات، ترى ما هو المطلوب من المملكة العربية السعودية أن تقوم به من تجديد منضبط ومقنن كي تجيب عن الأسئلة المطروحة عالمياً ومحلياً منذ نهاية القرن الماضي وحتى اليوم، وفي نفس الوقت كيف لهؤلاء القادة التربويين أن يشاركوا وبفاعلية في حل المشكلات الداخلية التي صارت مثل الكرة الثلجية تكبر يوماً إثر يوم.
إن بداية الرحلة الطويلة للبناء التنموي الصحيح والخروج من عالم إلى آخر يكمن في المراهنة على الموارد البشرية وتأهيلها التأهيل الصحيح، فاقتصاد المعرفة لا مكان فيه لمن لم يأخذ بسلاح العلم، وامتلاك السيادة في عالم الغد مرهون بالمراهنة على قدرات المواطنين الذهنية والمعرفية. وبناء المواطن وإعداده وتأهيله يبدأ من مرحلة روضة الأطفال إن لم يكن قبل، والتربية هي القاعدة والمنطلق وعليها يقوم البناء ويرتكز، والمدرسة مهما قيل عنها فهي المحضن الذي فيه يصنع رجال الغد ويؤهلون لإعادة وسام الخيرية وسمت العزة لأمتهم والرفعة والسمو لأوطنهم، وأنتم يا قادة العمل التربوي فيكم الرجاء وعلى أيديكم يتحقق الأمل بعد الله وفي اجتماعاتكم وتوصياتكم يرتسم النهج ونستبين معالم الطريق في رحلة البناء لإنسان المستقبل القريب منه والبعيد في ربوع بلدنا المعطاء المملكة العربية السعودية، وإلى لقاءٍ والسلام.