حافظ وهبه كان من أقرب رجال المؤسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله - إليه. وكتبه تزخر بتاريخ التأسيس، وقصص وروايات يستطيع منها الباحث أن يستشفَّ كثيراً من المعلومات عن تلك الحقبة الهامة من تاريخنا.
في كتابه (جزيرة العرب في القرن العشرين) جاءت هذه المعلومة:
(في أوائل شهر يونيو-حزيران سنة 1349 هـ، 1930م قامت ضجة بين علماء الدين النجديين، واجتمعوا في مكة؛ وبعد التشاور فيما بينهم وضعوا قراراً يحتجون فيه على إدارة المعارف في مكة، لأنها قررت في برامج التعليم: أولاً تعليم الرسم، وثانياً تعليم اللغة الأجنبية، وثالثاً تعليم الجغرافيا التي منها دوران الأرض وكرويتها. ولما كان لي شيء من الإشراف على إدارة المعارف، فقد تذاكرت مع جلالة الملك في الموضوع، ورأى من الحكمة أن اجتمع بكبار المشايخ وأبحث معهم في الموضوع، فاجتمعت معهم ودار الحديث على الصورة التالية:
حافظ: لقد أمرني جلالة الملك أن أحضر عندكم لأشرح لكم حقيقة المسائل التي رأيتم إلغاءها من برامج التعليم، إنكم تعلمون مبلغ حبي لكم، لأنكم أنصار السنة، الآخذين بالاجتهاد، الرادين كل قول يخالف القرآن أو السنة الصريحة، ولقد مضى الزمن الذي كان قول العالم مهما كان حجة، ولا أعتقد أنكم تريدون أن نقبل كل ما تقررون بدون مناقشة؛ فإن ذلك لا يتفق مع الروح التي تدعون إليها، ولا معنى أن نعيبَ على الناس اتباعهم لعلمائهم من غير حجة أو دليل، وهنا نسير على نفس النسق.
أحد المشايخ: إنما قلته حق وصحيح ولكن لقد بيَّنا للإمام عبدالعزيز الأدلة والمفاسد التي تترتب على تقرير هذه العلوم. أما الرسم فهو التصوير وهو محرمٌ قطعاً، أما اللغات فإنها ذريعة للوقوف على عقائد الكفار وعلومهم الفاسدة، وفي ذلك ما فيه من الخطر على عقائدنا وعلى أخلاق أبنائنا، وأما الجغرافيا ففيها كروية الأرض ودورانها، والكلام عن النجوم والكواكب مما أخذ به علماء اليونان وأنكره علماء السلف)... يُواصل حافظ وهبه: (وبعد أخذ ورد قال المشايخ: لقد قررنا ما نعتقده ورفعناه إلى الإمام ولسنا في حاجة للجدل المنهي عنه شرعاً، فإن قبل الإمام ما رأينا فالحمد لله، وإذا خالفنا فليست هذه أول مرة يخالفنا فيها).
وبعد أكثر من نصف قرن من تلك الحادثة التي ذكرها حافظ وهبة في كتابه، قال الشيخ محمد العثيمين - رحمه الله - عن تعليم اللغة الإنجليزية التي رفضها أسلافه من المشايخ ما نصه: (هذه لغة عالمية - الإنجليزية - مشهورة يتكلم بها المسلم والكافر، ثم هي مقررة عليك، وحتى وإن كانت لغة الكفار فإنك ربما تحتاجها في يوم من الأيام، وإني أتمنى أن (أعرف) هذه اللغة، لأني وجدت فيها مصلحة كبيرة في الدعوة إلى الله، يأتي رجل ليُسلمَ بين يديك، فما تستطيع أن تتفاهم معه).
ولو عاش حافظ وهبه وسَمِعَ رَأي الشيخ ابن عثيمين لأدرك أن سبب ممانعة المشايخ ليس الإسلام، وإنما لأن المجتمعات المنغلقة تقاوم (الانفتاح)، وكل قادم جديد، مهما كانت ذرائعهم.
والسؤال: ماذا لو أن الموحد العظيم الملك عبدالعزيز - رحمه الله - استكان لتصعيد ومعارضة أولئك المشايخ - رحمهم الله - ومشى (خلفهم لا أمامهم)، أو انه انتظر حتى يقتنعون، ماذا سيحل بنا؟
وما يفعله الملك عبدالله اليوم هو - أيضا - (المنهج) ذاته الذي سار عليه الملك عبدالعزيز من قبل؛ ومرة أخرى: ما أشبه بارحة عبدالعزيز بليلة عبدالله بن عبدالعزيز؛ خذ - مثلاً - موقف البعض من إقرار الرياضة كمادة تربوية في مدارس البنات وقِس.
إلى اللقاء.