عندما شرع الملك عبد العزيز في خطواته لإنشاء جيشه النظامي، إلى جانب جيشه التقليدي، منذ تسعين عامًا تقريبًا، كانت الحروب والبدء في الإصلاحات العمرانية والاجتماعية قد اعتصرت كل موارده الشحيحة. لكن الفكرة لازمته، وظل مشغول البال بها بعد أن اتسع ملكه، ولمس الآثار الإيجابية للمخترعات الحربية الحديثة، فلم يتردد في إنشاء مديرية للأمور العسكرية، تتكون من قطاعات تشمل المشاة والمدفعية والرشاش، تحت قيادة بعض العسكريين الذين استسلموا له عند إنهاء عملية جيش الشريف حسين بن علي، وكان من بين أفراده قيادات مدربة على أحدث الأسلحة والخطط العسكرية السائدة.
كان اللواء سعيد سليم جودت في مقدمتهم، إذ كان ذا خبرة وثقافة عسكرية متميزة.. يتقن اللغة العربية إلى جانب لغته الأصلية (الكردية) واللغة التركية واللغة الألمانية. وقد أكمل دراسته الأولى في العراق ثم الثانوية والعسكرية في استنابول وألمانيا, وشارك في القطاع العسكري آخر سنوات الحكم العثماني.
وعندما جدد الملك عبد العزيز عزمه على إنشاء جيش نظامي تذكر صديقه الضابط العثماني السابق (القائد سليمان شفيق باشا) الذي استبقاه في الحجاز عنده، لكن ذلك الصديق قد أدركته الشيخوخة. فابتدأ عبد العزيز بتأسيس نواة تشكيلة عسكرية بسيطة, تتكون من الضباط القدماء والعسكريين التابعين لهم. ونشط في استقدام عدد من الضباط الأكفاء من البلاد العربية كالعقيد محمد مراد الخياري، ونبيه العظمة, والشهيد فوزي القاوقجي. ولست هنا معنيّا بتاريخ بدايات تأسيس القوى العسكرية النظامية للمملكة، أو الحديث عن تطورها, فلذلك رجاله.
ولهذا سوف أتحدث عن حياة واحد من أولئك الضباط الأشاوس, الذي كتب له أن يلعب دورًا مهمًا في مجال مسؤولياته القيادية، تحت إمرة الملك بصورة من صور الوفاء لذلك الضابط الذي عاش وعمل في ثلاثة جيوش مهمة. فقد كان ضمن الحامية العثمانية في المدينة المنورة، تحت قيادة الوالي فخري باشا، أحد رموز الولاء العسكري. ثم التحق بجيش الملك الحسين (شريف مكة) بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، ثم إلى جيش الملك عبد العزيز ضابطًا مرموقًا في فوج الرشاشة, أحد القطاعات الثلاثة التي نشأ الجيش النظامي السعودي على أساسها، فكان قائدًا لذلك القطاع قبل أن يتم تشكيل وكالة الدفاع، مما أتاح لهذا البطل أن يبدي مهارته الفائقة في أول حرب دخلها مع الملك عبد العزيز، وهي الوقعة الكبرى التي حدثت بعد انضمام الحجاز وعرفت بوقعة (السبلة) وقادها الملك عبد العزيز بنفسه عام 1347هـ/ 1928م.
ويقول من شهد تلك الحرب: لما اقترب جيش الملك عبد العزيز من الجيش المقابل اندلع الرصاص بغزارة من الجانبين لمدة عشر دقائق، وكان المناوئون في وضع ميداني أفضل، لكن عبد العزيز كان قد أعدّ للأمر عدته، فقد كان في الجيش السعودي مفرزة بينهم (سعيد جودت) من حملة الرشاشات مجهزة بأربعة مدافع، وأربعة رشاشات، لم يكن الجانب الآخر على علم بها، فأصدر الضابط أوامره بإطلاق النار، وكانت المفرزة تحت إمرة رئيس الديوان آنذاك إبراهيم بن معمر. ذكر ذلك محمد المانع في كتابه (توحيد المملكة العربية السعودية).
وبذلك التدبير أصبح مناوئو الملك عبد العزيز هدفًا ممتازًا للمعدات الحربية الحديثة، ولما رأى من لم يصب منهم ما حدث، انسحبوا مرعوبين، فامتطى الملك عبد العزيز حصانه وجعل يصرخ في الميدان طالبًا من جيشه أن يكف عن المنهزمين، فاستجاب الجيش، وتوقف عن ملاحقة الفارين.. وعندما عاد التمرد للمرة الثانية، في المنطقة الشرقية من المملكة، أمر الملك عبد العزيز، وهو في مكة المكرمة ابنه، ولي العهد سعودًا، أن يتحرك إلى هناك، مجهزًا بالسيارات المسلحة بالرشاشات، وهي نفس الفرقة المدربة، فاتجه صوب أولئك، فشتت شملهم، وذهب من أفلت منهم إلى زاوية محصورة بين العراق والكويت. أما الذين أصروا على القتال فقد داهمهم الملك عبد العزيز، بعد أن وصل إلى أرض المعركة بجيشه، فاستلسم من استسلم، وعاد إلى الولاء من عاد، وكان ذلك عام 1348هـ (1929م) انظر كتاب المملكة في ماضيها وحاضرها، لصلاح الدين المختار.
ومن الوقعات المهمة التي اشترك فيها, حرب ابن رفادة؛ وإن لم يكن قد أشير إلى اسمه (سعيد جودت) لاعتبارات ميدانية، أو لأن مفرزته المسلحة بالأسلحة الحديثة كانت ملحقة بالجيش التقليدي الذي تقع على رأسه مسؤولية المواجهة في المعركة التي اندلعت في شهر ربيع الأول عام 1351ه (1933م) حول مدينة الوجه قرب الساحل الغربي للمملكة، حيث أقام حامد ابن رفادة من قبيلة (بلي) وبعض العشائر المتواطئة معه بإشعال نار تلك الحركة، وما كاد الملك عبد العزيز يسمع بها حتى وجه لهم قوة كبيرة من جيشه التقليدي، والتجهيزات والسلاح الحديث، وجعل قيادته مشتركة بين ثلاثة رجال من قواده المعروفين بالشجاعة والإقدام وهم: عبد الله بن محمد بن عقيل، ومحمد بن سلطان، قائد جيش الهجانة وعبد الله بن حلوان المعروف ب(حلوان) وفي الوقت نفسه، كلف وكيل الدفاع وزيره عبد الله السليمان الحمدان، أن يكون على رأس الإمدادات والسيارات ومفرزة من الجيش النظامي المسلح بأحدث الأسلحة والرشاشات مع عدد من الضباط المهرة. وفي سفح جبل (شار) قضي على تلك الفتنة قضاءً مبرمًا، وقتل زعيهم (حامد بن رفاده).
كما شارك القائد (سعيد جودت) في الحرب السعودية اليمنية، وكان ضمن القوة التي وكل إليها أمر السهل في تهامة, بقيادة الأمير فيصل بن عبد العزيز وقد لقي ذلك الجيش مقاومة شديدة، لكن شدة هجومه قضت على تلك المقاومة، واستطاع جيش فيصل أن يحطم الدروع اليمنية التي أقيمت لصدّ هجومه، فاحتل (ميدي) و(اللحيّة) و(الحديدة).
وكان الملك عبد العزيز قد أمر وزيره عبد الله السليمان الحمدان أن يبحر بفرق من الجيش النظامي على ظهور السفن المحمّلة بالمؤن والعتاد والجنود المحاربين، وأن يكون المسؤول عن تمويل جيش الساحل ومساندته. وكان على رأس الرشاشة والمدفعية في الجيش النظامي القائد(سعيد جودت) إلى أن صدرت الأوامر الصارمة في تلك الحرب من الملك عبد العزيز بألا يتقدم ابنه فيصل أكثر وأن يقف حيث هو.. وكان قد صدر هذا الأمر من قبل إلى الجبهة الشرقية بقيادة الأمير سعود بن عبد العزيز بأن تتوقف أيضًا حيث هي، وذلك يوم 11 من شهر المحرم عام 1353هـ / 1934م.
وهنا آن لنا أن نتحدث عما نعرفه ويعرفه غيرنا ممن عاصر حياة ذلك القائد, وما اضطلع به من أعمال وظيفية تقلدها، وهي فترة تزدان بالكثير من عناصر قصة طويلة امتدت خمسين عامًا تقريبًا، منها ثمانية عشر عامًا رئيسًا لحرس الملك عبد العزيز, فكان ملازمًا له حضرًا وسفرًا، وفي تنقلاته داخل البلاد وخارجها حتى وافت الملك عبد العزيز المنية عام 1373هـ (1953م)، ثم واصل عمله رئيسًا للحرس الملكي في عهد الملك سعود، حتى أحيل إلى التقاعد.
وكان هذا القائد قد أنشأ الحرس الملكي في البدايات، إذ رأس قوة من الجيش قوامها (150) فردًا مهمتهم القيام بحراسة الملك عبد العزيز في موسم الحج وأثناء وجود جلالته في الحجاز، تلازمه تلك القوة منذ حلوله في تلك المنطقة، حتى مغادرته لها حيث يتم توديعه عند عودته إلى عاصمة ملكه (الرياض) وكان مكان الوداع في مورد مياه (عشيرة) بعد أن يمر الموكب من الممر الجبلي المعروف ب (الريع) ثم تعود تلك القوة أدراجها إلى معسكرها بالطائف.
وكانت حراسة الملك عبد العزيز تقع على عاتق تلك القوة إلى جانب حراسته من جنده المدني الخاص المعروف ب(الخويا) أو (الخُبر) التي تتألف من (15) خبرة قوام الخبرة الواحدة ما بين (15إلى20) فرداً.
وفي عام 1359هـ / 1939م أمر الملك عبد العزيز رئيس الحرس النظامي (القائد سعيد جودت) والقوة العسكرية التابعة له أن تصحبه في سفره من مكة المكرمة إلى الرياض. وبعد وصولهم كلف القائد بحراسة القصور الملكية المسماه (المربع) بعد أن تسلمها من شرطة الرياض المكلفة بحراستها سابقًا، ووكل إلى القوة العسكرية أعمال الحراسة بدءًا بحراسة الملك عبد العزيز وتأمين المواقع التي يتواجد فيها داخل المدينة وخارجها. وفي تلك الأثناء، ضم إلى قيادة الحرس الملكي مجموعة من المنقولين من شرطة الرياض داخل قصر المربع، ونقل قسم آخر إلى حي الفوطة قرب قصر المربع، في قلعة أطلق عليها اسم (القشلة). وكان أول الأعمال التي اضطلع بها الحرس بعد أن تولى أعمال الحراسة في الرياض, فتح باب التجنيد, فالتحق بتلك القوة العسكرية لفيف من الشباب الذين وصلوا فيما بعد إلى مراكز القيادة وحصلوا على أرفع المراتب العسكرية، بعد عدة سنوات، وعدد ممن تخرج من الدفعات الأولى بالمدرسة العسكرية.
وكان جميع تلك القوة في ذلك الحين يطلق عليها اسم قوة المنطقة الشرقية، مقابل الغربية في منطقة الحجاز. وقد صدر أمر الملك عبد العزيز أن يكون القائد العام لهذه القوة النظامية لكافة قطاعاتها القائد (سعيد جودت)، وأن يكون مرتبطًا برئاسة الأركان التي تم إنشاؤها عام 1359هـ / 1939م، تحت رئاسة القائد طارق الإفريقي، حتى أعيد تشكيل لواء الحرس الملكي عام 1370هـ /1950م، وعين اللواء سعيد جودت قائدًا له. وفي الوقت نفسه صدر أمر ملكي عين بموجبه الأمير نواف بن عبد العزيز أميرًا للقصور الملكية ومنح رتبة فريق.
ومما يجدر ذكره هنا أنه بعد وفاة الملك عبد العزيز عام (1373هـ/ 1953م) ظل اللواء سعيد جودت رئيساً للحرس الملكي، وفي الوقت نفسه صدر أمر ملكي بضم الحرس الملكي إلى وزارة الدفاع، مع الاحتفاظ باسمه، وحينها التحق عدد من الضباط ممن تخرج من كلية الملك عبد العزيز بالرياض، بالحرس الملكي.
وبعد أن تغير اسم (الحرس الملكي) إلى رئاسة الحرس الملكي في السبعينيات الهجرية (الخمسينيات الميلادية) ظل اللواء سعيد جودت يحمل لقب قائد الحرس الملكي حتى عام 1383هـ / 1963م، حيث أحيل للتقاعد، ثم دمج الحرس الملكي في الجيش.
وكان الملك عبد العزيز يرى في صلابة اللواء سعيد جودت رئيس حرسه وانضباطه وحسن تصرفه عند مواجهة المواقف الصعبة، ما جعله أثيرًا عنده، ومن الحائزين على ثقته، وقد وصفه مرة أنه نعم الرجل الغيور، وأن وجوده في خدمته نعمة ساقتها له الأقدار بحسب ما رواه بعض أبناء الملك عبد العزيز.
وقال أمير كبير من أبناء الملك عبد العزيز عندما سئل عن ذلك القائد: إنه أكثر من رأيت من الضباط القريبين من والدي إدراكًا ومعرفة بإيماءاته وفهم إشاراته. ولم أرَ الوالد يومًا قد انتقد سلوكه أو تصرفه في إدارة مهماته في شؤون الحرس!!
أما انجذاب سعيد جودت إلى شخصية الملك عبد العزيز، فأمر يتجاوز كل حد، إذ كان يصرّح دائماً أن الأوقات التي قضاها في خدمة الملك عبد العزيز هي أمتع سني حياته.
وحدثني أحد الضباط الثقات المنتمين لقيادته، أن اللواء سعيد جودت عندما يكون في مزاج مريح يبدو شخصية آسرة لا يوازيها إلا نشاطه الجم، وكان يتحفهم أحيانًا بالحديث عن أيامه الخوالي، وعن سر تعلقه بالملك عبد العزيز قبل أن يراه، وبعد أن اندمج في خدمته. ويقول إن ذلك كان بفضل ما قرأ عنه في الصحافة العثمانية وهي السائدة آنذاك فقد كانت تتحدث عن شجاعته وكرمه وحسن تصرفه وتمسكه بعهوده ومواثيقه. ويستطرد سعيد جودت: قرأت عنه مرة أنه عندما واجه الجيش العثماني في ساحات القتال قرب بلدتي (البكيرية والشنانة) بمنطقة القصيم، إلى جانب مناوئه ابن رشيد (أمير حائل في ذلك الوقت) وكان ذلك الجيش الذي يتكون من أربعة عشر طابوراً وأربعة مدافع، ويضم الكثير من العراقيين والفلسطينيين والشوام والأتراك، فتغلب عليهم الملك عبد العزيز, لكنه لم ينتقم من أحد منهم وكان أن أمر بترحيلهم إلى المدينة المنورة بعد الهزيمة، مما دعا السلطان عبد الحميد أن يبعث إليه برسالة شكر وامتنان على فعله النبيل.
وقرأت مرة - يقول سعيد جودت -: أن الملك عبد العزيز فعل ذلك عندما تغلب على حامية الأحساء عند استعادته إياها عام 1331هـ (1913م)، فقد حفظ أرواح جند الدولة العثمانية، ولم يسلبهم أسلحتهم، وأرسلهم مكرمين معززين في خفارة إلى البحرين، تحت إمرة ابن عمه أحمد بن ثنيان، وقال: إننا لا نسلب أسلحة دولة تنتمي إلى الإسلام.
ويواصل محدثي: ذات مرة كان يحدثنا ونحن في المخيم الملكي في روضة التنهات (شرقي الرياض), ومعنا جمع من رفقاء السلاح وبعض الموظفين المدنيين أن الملك الحسين بن علي عندما حاصر الحامية العثمانية في المدينة المنورة قال سعيد جودت: وكنت شخصيًا من بين أفراد تلك الحامية، وكان يمكن أن نصمد أكثر لأن عبد العزيز، سلطان نجد - آنذاك - كان يغض الطرف عما يصل إلينا عبر أراضيه من مؤن وعتاد وأغذية، فكنا مع قائدنا فخري باشا مدينين لشهامة ذلك الرجل العظيم، وظللنا نقاوم حتى صدرت الأوامر لنا بالاستسلام للملك الحسين، الذي قام بعد تسليم الحاميات العثمانية بإذلالها، فكان منظر الأسرى العثمانيين وهم يجتازون شوارع جدة، ذكورًا وإناثًا وأطفالاً, على هيئة أرتال منكسة الرؤوس وهم في طريقهم للميناء أو لمعسكرات الأسر في حالة يدمى لها القلب والضمير.
ويستطرد سعيد جودت في أسى: قارنت بين هذا العمل الاستفزازي بالعمل الكريم الذي أبداه الملك عبد العزيز لنا، نحن العسكريين الذين استسلمنا لقيادته عند عملية إنهاء الجيش الهاشمي وهزيمته، وكنا أعدادًا من القيادات والضباط، فلم يضق بنا ذرعًا، بل رحّبَ بنا وطلب منا الدخول في جيشه، وأعطانا الحرية ليذهب من لا يرغب منا إلى حيث شاء، فلا لوم ولا تثريب.. وعندها لم نتردد باللحاق به بعد ذلك العرض النبيل، وكان يقيننا بأننا سوف نحصل على ما ننشده تحت ظل خدمة ذلك الرجل.
كان اللواء سعيد جودت - رحمه الله - عندما يلتقي بالأمراء الكبار من أبناء الملك عبد العزيز لا يتردد في أن يروي لهم قصة أو طرفة جرت له أو شاهدها مع الملك عبد العزيز؛ إما للعبرة كما يقول أو للتأكيد أن غير الملك عبد العزيز ممن عايشهم أو عمل في خدمتهم ليسوا أندادًا له.
قص سعيد جودت على أحد الأمراء، قصة توحي بما يتمتع به الملك الراحل من رأفة وشفقة برعيته حتى لو ظفر بأحدهم متلبسًا بمخالفة مشهودة قال: كنت ذات يوم ونحن في البرية منطلقًا بسيارتي بسرعة هائلة للحاق بسيارة الملك عبد العزيز وهو يمارس القنص ويسير بدوره بأقصى سرعة خلف الطرائد، وكنت وقتها في أشد حالات الانفعال والتوتر حرصًا على سلامته، وخوفًا عليه، فأنا طبعًا لا أستطيع أن أطلب منه أن يأمر سائق سيارته أن يخفف السرعة، وكان من حسن الصدف أن أبصر جلالته سيارة نقل تسير متخفية، وعلى غير هدى, فتوقف جلالته وأمر بإحضار صاحب السيارة تلك. وعندما أتي به جعل يصرخ بأعلى صوته: العفو العفو يا سيدي ارحمني يا عمي.. أنا صاحب أولاد, أنا مخطئ، فاستغربنا مناشدته تلك، لكن الملك عبد العزيز فطن لقصده فصاح به : أأنت مهرب ؟! فأجاب الرجل: نعم.. فو الله لن أعود مرة ثانية لمثل ذلك، فقال الملك عبد العزيز: ما دمت قد حلفت بالله فقد عفوت عنك هذه المرة.. وكان المهرب ذكيًا فقال: ولكن يا عم لو أن الدورية صادفتني فلن تصدقني وستصادر كل ما معي.. فارحمني وأعطني ورقة لهم.. فأخذ الملك عبد العزيز ورقة وكتب عليها بيده: يعفى عنه هذه المرة.
تلك قصة من سلسلة قصص رويت عن ذلك القائد.. ليس من الضرورة أن نستمر في سردها، ولولا خشية الإطالة لفعلت.. وما أوردته هنا إنما يأتي في إطار تقديم نماذج لشخصيات يجب ألاًّ تنسى، بعد أن منيت الساحة بفقدان الكثير منهم. فالحديث عنهم بمنزلة مسرح يوحي للقارئ كيف أدى عمالقة الماضي أدوارهم عليه.
وهكذا انتهى هذا الفصل الممتع من سجل تاريخ هذا الرجل، الذي وافته المنية عام 1386هـ (1966م) في بيته الكائن في (حي الضباط) شرقي الرياض وصلي عليه في المسجد الجامع الكبير، وقبر في مقبرة العود، في الرياض.. رحمه الله.