تقف مستغربا، تنهشك الحيرة، وتمضغك الدهشة، ويتناوشك العجب!
تستعرض تاريخ حياتك.. وتقاويم أيامك، فتجدك صدقت مع هذا، ورحمت ذاك، ووقفت مع أولئك، وأخلصت لواحدٍ دون سواه!!
وسارت بك عجلة الأيام، تطوي الأرض كطي السجل، تنهب الطريق نهبا.. وتقف بك أمام محطات العمر، فتتزود من بعضها بالحكمة، ومن بعضها الآخر بالشقاء، وتتجرع من غيرها غصات الألم!!
فتتشكل تلك المحطات..
فبعضها ترفضك وتنهرك، وتستخف بك أن تجد مطلوبك لديها! فتشارف على الانكسار!
وبعضها تستبقيك على الهامش، وتتجاهلك، لتزود غيرك بما يرغب، وتفضله عليك، وكلما جاء دورك أخَّرتك إمعاناً بتجاهلك، فيفضي بك ذلك للقهر والظلم.
وقليل منها تمنحك النزر مما عندها، وتصْرفُك بلباقة، لعلك تعثر على محطة أخرى قد تجد فيها بقية من طلبك!
فيسكن نفسك الإحباط بعد الرجاء!
وكثير منها لا تسقيك حتى يصدر الرعاء!! وقد تجد بينهم القوي بنفسه، والمستقوي بغيره!!
وعليك الانتظار!!
وأنت ضعيف حيناً، وحيناً بنظرهم قاصر، وأحايين كثيرة لم تبلغ سن الرشد!
وقد تطول المسافة.. ويستنزف الجهد، وينقضي الوقت، ويدب الملل إلى نفسك، وأنت لم تجد ضالتك، أو أنها ضلت طريقها إليك، أو أن الحظ لم يسعفك بالوصول إليها، أو.. وجدتها فأنكرتها ولم تعرفها بعد مضي السنين! أو كرهتها بعد مرارة الركض، أو أنها تكون كظلك تجري وراءه فلا تصله حتى يحل الظلام، فتستأنف يوماً جديداً بركض جديد!!
ويأخذ التعب منك مأخذه.. وتسرق السنوات منك أجمل أيام عمرك، فيتسرب اليأس إلى قلبك، وتخور قواك، وقد تسقط من شدة الإعياء!
وقد تهون كل الأيام، وكل الأماكن، وكل الوجوه، إلا أنه أبدا لا يهون عليك الأشخاص الذين مررت معهم في محطات العمر، ورافقوك في الرحلة المضنية، أو اتكأت عليهم حين أضناك التعب أو أضاؤوا حياتك شموعا، أو كانوا شموسا ساطعة، وأقمارا مضيئة، أو نجوماً لامعة في سماء حياتك!
أولئك الذين كانت نظرة حانية منهم كافية لتسترد أنفاسك، وكانت أنفاسهم تدفعك لتوقد في جوانحك إنتاجاً ونماءً، ونجاحاً!
وكانت ملامحهم حين تتبدى لك حتى وأنت بعيدٌ عنهم، تمدك بالأمن والطمأنينة والهدوء!!
وذكرياتك معهم حين تبرق في مخيلتك وأنت ناءٍ عنهم تشعرك بالحنين والوله والاشتياق!!
وتُفاجأ عندما تصل إلى مقرك ومأواك وملاذك أن كلَّ منْ حولك قد انفض!!
أين ذهبوا؟ كيف تواروا؟!
يبدو أننا بحاجة إلى ركض من جديد!!
ويبدو أن الحياة لا تحلو إلا بالركض المغموس بالرفض والتجاهل حينا، المترع بالصد والهجر أحيانا كثيرة.. وقد يكون الضعف سرّ جريان نهر الحياة، ولكنه لا يكون أبدا، بالشقاء والمرارة و... الخذلان!!
www.rogaia.net
rogaia143@hotmail.com