نحن في حائل والمناطق المماثلة نعتبر مثل هذه القضايا والخلاف حولها وما تنشره الصحف من مقالات وما تطرحه من تساؤلات واستطلاعات لا تعنينا لا من قريب ولا من بعيد، بل لا أبالغ إذا قلت إنها في نظر الكثير منا تماثل الفقه الشافعي الافتراضي الذي لا وجود له إلا في ذهنية السائل وعقلية المجيب، كمن قال لامرأته وهي على عتبة السلم إذا صعدتي فأنت طالق وإن نزلتي فأنت طالق فنزلت من بين العتبتين فهل تطلق أم لا؟، قراءتنا لها -أقصد هذه القضايا والمطارحات الساخنة- من باب العلم بالشيء ليس إلا، وسبب عدم الاكتراث في مثل هذه الأطروحات لدى مواطن الشمال أو حتى الجنوب بسيط جداً، ألا وهو إن موضوع قيادة المرأة للسيارة لم يدخل حتى هذه اللحظة في نظري دائرة المفكر به بعد، إذْ ليس من الأولويات الملحة في قاموسنا، بل ربما لا وجود له في أجندة المرأة الحائلية ومثلها كل امرأة في المناطق التي لم تأخذ حقها من التنمية حتى اليوم، ولا يعني ذلك أنه لا يوجد لدى البعض منا سائقين، ولا أن الحاجة منتفية لدى البعض الآخر، ولا ادعاء زيادة تديّن عن غيرنا أو إعراض عن مواطن الخلاف دون سوانا، أو حرص منا على عدم دخول دائرة المتشابه والتزام بمبدأ سد الذرائع المعروف، فنحن كما هم تماماً، ولكن لأن لدينا هموماً أكبر، ويشغل بالنا ما هو أشد وأعظم، فنساؤنا بلا وظائف والحاجة تتفاقم، بصدق بلا وظائف ومن لا يعلم حال المرأة في هذه المناطق يأخذ الموضوع نسبة وتناسب وسيجد أن ما أقول حق مر، إذ إن فرصة التوظيف في حائل وما شابهها للرجال قليلة فما بالك بالمرأة جنس المرأة، سواء أكانت هذه الفرص في القطاع الحكومي أو الخاص فضلاً عن مؤسسات المجتمع المدني/ الأهلي التي لا وجود له أصلاً إلا ما هو في حكم النادر، إن بيوتنا تمتلئ بالفتيات اللاتي يحملن درجة البكالوريوس ولكن بلا فائدة، علاوة على أن من يتم تعينها في مدارس خاصة وبعد الواسطة راتبها لا يماثل في أحسن أحواله مكافأة طالبة جامعية، أما من كانت سعيدة الحظ وتخصصها نادر ومطلوب فإنها بعد انتظار طويل ستعين معلمة في قرية تبعد عن مقر سكنها على الأقل مائتي كيلو «200كم»، أربعين كيلاً «40كم «منها طريقها طريق صحراوي متعب لا يتحمله الأقوياء من الرجال فضلاً عن فتاة ما زالت في ريعان النضارة وعز الشباب، إنني أتسأل في نفسي.. ترى إلى متى وهذا الأمر قائم، وما الحل، ولماذا لا تعطى هذه المعلمة مزية وخصيصة عن غيرها كبدل بُعد مثلاً، على الأقل يعوض ولو معنوياً ما تعانيه كل صباح وعند المساء، أو جعل فرصة النقل لها أكثر من غيرها ممن يعملن في المدن القريبة أو القرى المحيطة بالمدينة الأم، قد يقول قائل: طيب لماذا لا تستقر هذه المعلمة قريباً من مدرستها؟، ولهؤلاء الذين لا يعرفون حال قرنا، أقول لهم هذه من الأولويات التي في أجندة أمراء المناطق ومجالسها ذات الحظ الأقل في التنمية، إذ إن العديد من القرى هجرت ورحل عنها أهلها، فالماء شح وبقية الأشباح، بقي عدد قليل يحتاجون إلا خدمات المعلم والمعلمة ولا يوجد في الكثير منها بيوت تصلح للسكنى، ما الضرر مثلاً -وأنا هنا أفكر بصوت مرتفع- ماذا لو بني بجوار كل مدرسة في هذه القرى الصغيرة مسكن مجهز ومؤثث بكل ما يلزمه وخصص للمعلمات، ووظفت امرأة من نساء القرية مع زوجها ليحرس هذه المباني وهي تقوم على رعاية المعلمات وتسهيل الحياة لهن في هذا المكان القصي، وصار دور هذه الفتاة المتعلمة أكثر من مجرد التدريس للطالبات فمحو الأمية مشروع ما زال في منتصف الطريق والاستمرار به يحتاج إلى بذل وتضحية ومنافسة عالمية مشرعة لها الأبواب، وفي نهاية الأسبوع تعود هذه المعلمة مع بقية زميلتها إلا أهلها بدل سفرها اليومي الذي لا طائل عليه ولا تدريس معه، أتمنى أن تكون هذه الفكرة ضمن الأفكار التي يتدارسها أصحاب السعادة القائمون على مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم لعلها أن ترى النور، ليس هذا فحسب، بل في الأجندة كثير، والأولويات التي لدى المرأة في المناطق التي قيل عنها أنها أقل حظاً في التنمية تختلف عن أولويات المدن الكبرى سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي، بل وحتى همومنا نحن الرجال غير، وإلى لقاء والسلام.