الانهيارات المتكررة لسوق المال.. وإفلاس الآلاف من البشر.. لم يُعطيا درساً للكثير من المتعاملين مع السوق.. إذ لُدغوا من الجحر أكثر من عشرات المرات.. ومع ذلك.. ما زالوا يثقون في السوق..
الأسواق العالمية.. شهدت في السنوات الأخيرة انهياراً واحداً.. إبان الأزمة المالية العالمية.. لكن سوقنا (القوي؟!!) شهد انهيارات عدة قبل الانهيار العالمي ومعه وبعده.. وما زال يستدرج ضحاياه كل يوم.. وفي كل فترة.. يترك وراءه آلاف الضحايا.
سقطتنا الأولى.. وانهيارنا الشهير (الأول) عام (2006) لم يسبقنا إليه أحد.. وكان سقوطاً لنا وحدنا.. وانهياراً لنا وحدنا من بين دول العالم كلها.. حققنا من خلاله السبق والتفرد.. وهكذا نحن دائماً.. متميزون سباقون متفردون في السقوط والانهيار والمآسي.. وسقط مع سقطة السوق عشرات الآلاف.. بل ربما مئات الآلاف من الضحايا.. الذين أفلسوا، والذين غطتهم الديون.. والذين مرضوا.. والذين ماتوا.. والذين أصابهم (الهبال).. والذين صبروا وتجلَّدوا ولكن.. خرجوا من السوق بضغط دم وسكر ومرض قلب فقط.. وهؤلاء.. هم الأحسن حظاً.
سوق الأسهم لدينا يصلح أن يكون (وسيلة عقاب بديلة)، بمعنى: بدلاً من أن نسجن ونجلد ونعاقب المخالف وصاحب الجنحة والمخطئ.. نحكم عليه بعقوبة بديلة.. وهي إدخال أمواله أو جزء من أمواله في سوق الأسهم.. ونجبره على المضاربة في السوق.. وسوق الأسهم كفيل بتأديبه التأديب المناسب.
في تقديري.. أن أكبر «آفة» ألحقت الضرر المباشر بالمواطن.. وأساءت إليه.. ودمَّرت نفسيته.. هي سوق الأسهم.. وهذا دليل على أن سوق الأسهم لدينا يسير بطريقة فوضوية عشوائية غير منضبطة.. ولا يهون المحللون الاقتصاديون والماليون.. الذين يخرجون إلينا في الصحافة والتلفاز والإذاعة.. ليقدموا بعض التحليلات.. وأكثرهم موظفون.. بل معقبون.. وتحوَّلوا بين عشية وضحاها.. إلى محللين ماليين.. أو محللين اقتصاديين.. أو خبراء في سوق الأسهم.. وكل خبرتهم «معقب جوازات».. أو «مِتْلَحْوِس» في مجلس هذا المسؤول أو ذاك.
لقد عايشنا الانهيار الأول في السنوات الأخيرة للسوق الأمريكي والأسواق الأوروبية والآسيوية.. إبان الأزمة المالية العالمية الأخيرة.. وكيف سارعت هذه الدول لإنقاذ أسواقها من الانهيار.. ولكن وزارة المالية لدينا أنقذت سوقنا بالمزيد من النصائح.. بل بمزيد من اللوم والتوبيخ لنا.. والعديد من التصريحات المتشائمة.. التي أسهمت في المزيد من الانهيار للسوق.. والمزيد من عدم الثقة في السوق.. وهو بالفعل.. ومن دون تصريحات وزارة المالية.. هو سوق غير موثوق.
حتى الدول الفقيرة والمعدمة ضخَّت أموالاً.. وتحرَّكت لإنقاذ أسواقها.. بل واستدانت من أجل تعديل أوضاع أسواقها.. ونحن نمطر أسواقنا بالمزيد من اللوم والتقريع للمواطن.. الذي وُجه له من تهمة.. مما جعل سوقنا يحتل «حسب ما نُشر» أسوأ سوق مالي.. وهو جدير بذلك.
قبل أيام «طاح سوقنا العجوز» طيحة أخيرة.. سقط سقطة أخرى.. وفقد خلال يوم واحد أكثر من «400» نقطة.. وأصبح هذا العجوز الذي يمشي على عكاز.. بل «محَرْوَلْ» يترنح مجدداً.. بل ويشرف على الموت.. بعد أن ترك وراءه ضحايا جددا.
كل ما أتمناه.. هو أن يكون هناك حصر لضحايا السوق.. ولا أعني بذلك الضحايا من الناحية المادية؛ إذ لا يوجد مواطن ولا مقيم من الـ»22» مليون نسمة لم يتضرر من هذا السوق المشؤوم.. ولكن أقصد ضحاياه الذين أُصيبوا بجلطات وسكتات وأزمات قلبية ونفسية.. ومن أُصيب بضغط دم وسكر وأمراض قلب وكبد.. ومن صار يمشي وهو يهذي.. ومن طلّق زوجته.. ومن أغلق بيته.. ومن دخل ؟؟؟
الآلاف أفلسوا وملؤوا السجون.. وعشرات الآلاف يرتادون المستشفيات يعالجون من أمراض مستعصية.. هم ضحايا هذا السوق.. ومع ذلك.. هناك من لا يزال يثق فيه ويتعامل معه وهو بهذا الوضع المزري.. بل ويُشكّل خطورة على المواطن.
كيف نحمي المواطن من أضرار سوق الأسهم؟
كيف نقوم بحملة دعائية وإعلامية نُبيّن فيها أضرار سوق المال.. بدلاً من أن نصرف أوقاتنا لبيان أخطار إنفلونزا الطيور أو إنفلونزا الخنازير وسوق الأسهم أكثر خطورة وأشد فتكاً؟!!
هذا.. هو سوقنا.. وليتنا من سوقنا سالمون.
ليتنا بدون سوق أسهم.. لنسلم على الأقل من تطيير تحويشة العمر.. والعيش أسرى لديون.. ونسلم من بعض الأمراض الفتاكة التي ضاعفت أعداد المراجعين للمستشفيات آلاف المرات.