رضاعة الكبير قضية فقهية (نبشها) مؤخراً الشيخ عبدالمحسن العبيكان وإن كان مسبوقاً قبل ذلك بسنوات.. الشيخ عبدالمحسن العبيكان قام (بحفريات) بحثية في أمهات الكتب والمراجع الفقهية ليطرحها إعلامياً ويجعلها قضية عامة.. وهذا في حد ذاته ليس عيباً أو مخالفاً فمن حق المسلم أن يتثقف في دينه ويعرف أمور دنياه وللشيخ العبيكان الحق في طرح أي قضية وتأصيلها وشرح أبعادها..
لكن الأهم في هذا الأمر أن يكون الجدل والنقاش بين العلماء والفقهاء والراسخين في العلم؛ فرضاعة الكبير قضية فقهية وليست قضية عابرة ورأياً عاماً يُترك أمره للإعلاميين والمعلقين التلفزيونين والمحللين الاجتماعيين.. لدينا جامعات متخصصة في العلوم الشريعة تضم في مجالسها العلمية وأروقتها التعليمية علماء في العلوم الشرعية وأساتذة جامعات وباحثين حاصلين على درجات علمية عالية مؤهلين لنقاش القضايا الدينية مثل: جامعة الإمام محمد بن سعود، وجامعة أم القرى، وجامعة طيبة وأقسام جامعية ومعاهد علمية أخرى وهناك جهات رسمية للإفتاء ومجالس عليا وإن كان ليس مطلوب دخولها في هذه المرحلة التي يجب أن يكون نقاشها وحوارها مع المؤسسات التعليمية المتخصصة.. عندما تطرح قضية فقهية غير شائعة يتصدى لها الإعلام ويكون محورها دائما عالم الدين صاحب الفتوى أو الداعية وفي الطرف الثاني آراء وأقوال المعلق الإعلامي أو المحلل الصحفي لديه أقوال و آراء انطباعية وثقافته في الدين لا تتعدى ما تلقاه في مرحلة التعليم الأساسي وربما بعض المقررات في المرحلة الجامعية..
فلابد من احترام التخصصات العلمية وبخاصة القضايا الدينية لأنه متعلق بالعبادات والضوابط والأوامر والنواهي وتنظيم الحياة.. لا علاقة له بالرأي الانطباعي أو أقوال المجالس ووجهات النظر مثل قول: (لا أعتقد أن الإسلام يقبل بذلك). أو القول: (ما أظن الدين يقول بذلك).
غياب العلماء والباحثين والمتخصصين في المجال الفقهي أحد عيوب مجتمعنا فنجد بعض العلماء حدوده قاعة التدريس الجامعي أو مجلسه الخاص أو حلقة مسجده دون أن يشارك إعلامياً في القضايا الدينية التي يثيرها الإعلام. فالشارع جل شأنه عندما سن التشريعات، أو لنقل أن العلماء عندما فسروا التشريعات و أيضاً حتى أصحاب القوانين والأنظمة واللوائح المدنية والإدارية والفنية عندما يكتبون لائحة يضعون بنودها للمستقبليات وتوقع ما سيحدث وليس بالضرورة أن تطبق في زمان ومكان محدد.. فهناك قضايا في الشرع احتاجها من عاشوا في فجر الإسلام والقرون الأولى، وهناك موضوعات تكشفت في قروننا الأخيرة لم تكن مطروحة سياسياً أو اجتماعياً في العهد الإسلامي الأول. فالحجاب، والاختلاط، وتعدد الزوجات، والصلاة في المسجد، والربا، ورمي الجمرات، ومحرم المرأة، وقيادة المرأة للسيارة وغيرها وجدت في التشريع الإسلامي لكنها لم تكن مطروحة في القرون الأولى للإسلام كما هي قضايا ساخنة في عهدنا.. وهنا تأتي مسؤولية العلماء وأساتذة الجامعات المتخصصين في العلوم الشرعية، لطرح آرائهم وتوضيح الرأي الشرعي في رضاعة الكبير وأيضاً ما هي حدود المخالطة والتكشف له وما هو نطاق حدوده الشرعية وحقوق وواجبات رضاعة الطفل الصغير وتحديداً مفهوم التكشف والمخالطة بعد رضاعته.