تخيل أن باخرةً تُبحرُ فوق المحيط، فقام أحد الركاب ليسأل من في الدرجة الأولى إلى أين؟ ليجيبه بقوله: إلى مكانٍ جميل نستمتع به سوياً، فيرد سؤاله وأين هذا المكان؟، فيجيبه بقوله: لقد مللنا مكاننا القديم نريد مكاناً أفضل، فيعاود سؤاله مرةً ثالثة: وأين يقع هذا الذي تبحرون لأجله؟ فيقول له: ألا ترى تشوّق الركاب لرؤية هذا المستوى الراقي الذي سننقلهم إليه؟
أرجوك لا تزعجني فأنا مشغولٌ بتلبية احتياجات شريحة كبيرة من الركاب ولستُ متفرغاً لأسئلتك!
ثم يسأله للمرة الأخيرة أسألك إلى أين تتجه هذه السفينة؟
فيجيبه أخيراً: لا أدري، وإن لم يعجبك فاقفز إلى البحر فسمك القرش ينتظر أمثالك!
وبعد هذه القصة، يحق لنا أن نتساءل عن مدننا وإلى أين تتجه؟
بمعنى، ماهي المسارات الإستراتيجية التي نسير وفقها؟ وهل هي مبنيةٌ على الميزات التنافسية والاتجاه العام لتوجهات الحكومة، وحاجات وتطلعات أهالي المدن؟
فمثلاً لو تساءلنا عن أبها كمدينة تستهدف السياحة، هل ما تقوم به الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني لخدمة هذا الهدف الإستراتيجي وفق برامج ومشاريع ومسارات إستراتيجية؟ فهل أنشأت كليات ومعاهد للسياحة هناك؟ وهل هيأت المواصلات «مطاراً، طرقاً، قطارات» لخدمة هذا الهدف؟ وهل تم استقطاب فنادق عالمية ومنتجعات تتناسب مع توجه المدينة؟
والجواب معروف! ولو تساءلنا عن مدن ومناطق أخرى ذات ميزات تنافسية لم يتم استثمارها بالمستوى الأمثل، كقطاع التمور، والإبل، كقطاعات كان من المفترض لمدينة بريدة ومنطقة القصيم بشكلٍ عام استثمارها كقطاعات إنتاجية صناعية وليست تجارية فقط، فإذا كانت مبيعات سوق تمور بريدة تصل إلى ملياري ريال، فكم يمكن أن نضاعفها لو حُولت إلى صناعات ووسع حجم زراعة النخيل وأقيمت بورصة عالمية وفُتح مجال التصدير وحُولت مادة التمر إلى مادة خام لصناعات الحلويات والشكولاتة بديلاً عن مادة الكاكاو، وذلك عبر الشراكات والتحالفات الأجنبية، وماذا عن السياحة الريفية، واستثمار التراث الشعبي والبيئة الصحراوية التي استثمرتها دبي في «باب الشمس ومنتج المها وسفاري»
والمهم هنا ليس كيف وما الذي نركز عليه، بل المهم أن نعرف أننا بحاجة ماسة لمعرفة اتجاه كل منطقة، عبر هيئة عليا أو مجلس منطقة، يعد إستراتيجية لـ 25 عاماً، تُبنى على الدراسات، والإستبانات، ومعرفة هموم وتطلعات أهالي تلك المُدُن، مع العمل وفق المسارات الرئيسية لحكومة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله-، للمساهمة في تحقيق أهدافها الرامية للتنمية المتوازنة والمستدامة عبر تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ولا شك أن لكل منطقة ميزاتها التنافسية، سواءً السياحية أو الزراعية أو التجارية أو حتى الثقافية، ولايمنعنا التركيز على أهداف إستراتيجية من إقامة مشاريع إسكانية وتعليمية وصحية، بل هو يحفزها ويحسن جودتها ويزيد من حجمها ولكن وفقاً للأهداف العامة.
لدينا مجالس بلدية، ومجالس مناطق، ومحلية، وغرف تجارية، وأعيان، وأهالي، ولكننا نحتاج لأهداف واضحة ومحددة، ولروح الشباب، وللكفاءات بغض النظر عن الأسماء أو الانتماءات، فالمهم هو الوطن، وعندها سنحقق أهداف الحكومة، والمنطقة، والمدينة، والمسؤولين، والأهالي، والكل يكسب.
*كاتب ورجل أعمال
majed@alomari.com.sa