هناك من أتقنوا اللعب جيداً ب «البيضة والحجر»، وفهموا كيف يستوعبوا المراحل والمستجدات، لا أن يحرقوا المراحل بتهور ورعونة، بل حتى الخيبة عرفوا كيف يصنعوا منها نجاحاً، هؤلاء أحرقوا المراكب خلفهم بمن فيها خلال ثلاثين عاماً، نفضوا ثيابهم ولم ينفضوا جيوبهم، بل ملؤوها بالذهب والمال، رغم أنهم يرددون الحديث القدسي: (تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم)، ولكنهم عبدوا الريال، حتى تحولوا من الحرب ضد الصحافة إلى كتّاب دائمين، بل إن صورة أحدهم في إعلان حملة حج تساوي نصف مليون ريال أو أكثر، حاربوا الفضائيات وأصبحوا زبائن دائمين لها، ليس كضيوف في برامج دينية فحسب، بل أصحاب برامج فضائية دائمة، يتم الترويج لها في إعلانات كما هم مشاهير كرة القدم والسينما، لم يصنعوا قنواتهم فحسب، ولا صحافتهم فحسب، بل دخلوا صفحات ما كانوا يسمونها صحيفة «خضراء الدمن» وصحيفة «الوثن» وغيرها، وتنافسوا على قنوات الغناء والدراما التي يشتمونها ليل نهار، لأنهم - حسب ادعائهم - يريدون أن يتوجهوا إلى قطاع مشاهدي ومشاهدات الأعمال الهابطة والمخلّة، ويوجهونهم إلى الطريق الصواب، يرشدونهم إلى سواء السبيل، فأصبح لهم جماهير أكبر، وحين يشعر الواحد منهم بانخفاض نسبة مشاهدته لا يتورع في القيام بأي فعل أو قول فيه إثارة ولفت الانتباه، حتى يبقى دائماً في مدار الأكثر مشاهدة ومتابعة!
هم مؤلفون وصحافيون ومقدمو برامج فضاء وشعراء ومرشدون ومفتون ومثقفون وضمير الأمة وغير الأمة، يفهمون كل شيء، يعرفون الرياضة والثقافة والاقتصاد والمجتمع وعلم النفس وعلم الفضاء، فضلاً عن الدين والتراث واللغة، يفهمون في النسبية وعلوم الأرض وعلم الفلك، ويفتون في كل شيء، ثم يتجردون من كل موقف حتى لو كان ضريبته جيل بأكمله، حتى لو كان المركب الذي آمنوا به أو لم يؤمنوا، حمل من شبابنا الكثير، فإنهم ببساطة يعومون بعيداً عنه، حالما يشعرون بقرب غرقه، لأنهم يتقنون العوم جيداً في كل الأحوال الطارئة، يخلعون ثيابهم المبتلّة ثم يلبسون غيرها، ويأتوننا بوجوه مبتسمة وأنيقة، وليس علينا سوى هزّ رؤوسنا أمام جلالهم وهيبتهم!
قالوا بأننا لا نعرف الإيمان جيداً، والالتزام بالدين الصحيح، وعلينا أن نتمرّد على آبائنا (العوام)، فتحمّس بعضنا وغادر إلى أفغانستان ولم يعد، ومن عاد لم يطب له المقام فطار إلى العراق، وبعضنا لم يذهب هنا أو هناك، لكننا نسينا أهلنا وتجاهلنا فقراءنا، وجمعنا المال للشيشان والبوسنة والهرسك، فقط لأجل أفكارهم الطارئة أو الطائرة!
تراجعوا عن أفكارهم، ولم تجف دماؤنا بعد، تغيرت نظرتهم وتجددت فتاواهم، وأخبرونا بأن ذلك من مراجعة الذات، والتغير من سنن الله في الكون، فالأطباق الفضائية لم تعد محرّمة، وظهورهم على الشاشة صار مطلباً، أصبحوا تجاراً وعلينا أن نقبل بأن الله سبحانه رزقهم من حيث لم يحتسبوا، وعلينا ألا نحسدهم أو أن نشكك فيهم، فهم مؤلفون تبيع كتبهم ملايين النسخ، وطبعاً لأن الله سبحانه يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، فلا بأس أن يسكنوا في قصور الملايين السبعة، ويمتلكوا الأراضي السبعة، ولا ضير في أن يكونوا تجاراً، فمن الصحابة من هو تاجر وثري، فهل نعترض على من قدوتهم الصحابة رضوان الله عنهم؟ طبعاً لا يجوز، بل علينا أن نسير بصمت وسرنمة خلفهم، وننتظر ماذا تسفر عنه تحولاتهم القادمة!