Al Jazirah NewsPaper Saturday  29/05/2010 G Issue 13757
السبت 15 جمادىالآخرة 1431   العدد  13757
 
المسكوت عنه
أنبكي الريال ولا نبكي الرجال؟
د. حمزة بن محمد السالم

 

في الأسبوع الماضي قُتل الابن البكر البار لصديق لي في حادث سير أليم. وما إن رجعتُ من العزاء - ولم تزل رائحة الأحزان تُعبق الأجواء، ولم تزل تقاسيم وجه الأب المفجوع في ابنه ماثلة في تصوري وتتراءى أمام ناظري - حتى جلست إلى مجموعة من المتذمرين التقليديين وهم يتشاكون نظام ساهر.

أكثر من ستة آلاف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى والمعاقين سنويا هو نتاج المعارك الطاحنة التي يقتل فيها الأخ أخاه وابن عمه في الطرقات على غفلة من المجتمع المستهتر بدماء أبنائه، حتى إذا استيقظ الضمير الإنساني والوطني فينا متأخراً من أجل إيقاف هذه الحرب الأهلية الطاحنة، التي لم تترك بيتا إلا وخلفت فيه قتيلاً أو جريحاً، استيقظ عندها الأفلاطونيون من بياتهم العميق وأخذ كل منهم يقترح مقترحا مثاليا لا وجود له ولا يمكن تحقيقه إلا في أحلامهم الفلسفية.

المجتمع السعودي وصل إلى مرحلة متقدمة من التخلف الثقافي المروري التي لا ينفع معها أن تُعالج بالطرق التقليدية، ولا يستطيع العامل البشري وحده (المرور) السيطرة على هذا المرض المستشري حتى يصبح المجتمع كله عينا تأديبية تردع المستهترين بأرواح وحقوق الناس. وبناء ثقافة مرورية في مجتمع لا يعترف بالقانون ورُبِّي ونشأ على أن من له حيلة عليه أن يحتال، لا ينجح معه إلا نظام آلي أوتوماتيكي لا نُصرة قبلية ولا إقليمية عنده، فلا يفرق بين زيد وعبيد. والآلة لا عقل لها، وقد تظلم فتدين البريء وتُفلت المذنب. ويا ليت شعري من أشد ظلما وخطأ الإنسان أم الآلة؟ وما يضير أحدنا - لو افترضنا أنه ظُلم - أن يحتسبها مساهمة في بناء ثقافة مجتمعه فيحفظ بذلك دم أخيه مستقبلا.

وطُبق نظام ساهر على غفلة من الناس، وحُددت سرعات وأنظمة مثالية لا يعرفها الناس، ولكن النظام هنا ليس ببدع من الأنظمة في بلادنا. فغالب الأنظمة في بلادنا هكذا حالها، لا يعرفها المواطن ولا يدركها إلا عن طريق تعلمها بالتجربة. فالمشكلة هنا وطنية عامة ليس في التوعية بالأنظمة فقط بل وبسرية وضعها حتى خروجها دون مشاركة من المجتمع.

يا ويح قومي، لم تُحرك أقلامهم وألسنتهم جندلة عشرات الآلاف من شبابهم صرعى في الطرقات عبر السنين، ولم تلامس مشاعرهم أحزان ومآسي اليتامى والثكالى والأرامل حتى إذا هدد الساهر جيوبهم تنادوا متذمرين، وتناسوا أن يشبهونا بمن اعتادوا أن يشبهونا به بمن حولنا من دول الخليج التي طبقت هذا النظام منذ زمن ولم يتباكوا كما تباكينا.

نظام ساهر قفزة ثقافية حضارية أمنية لا عيب فيها إلا أنها لم تغطِ الديار السعودية من شمالها إلى جنوبها ومن بحرها إلى خليجها ومن سمائها إلى أرضها، فهل سيقعد بنا المتذمرون عن تعميمها.

نظام ساهر مولته استثمارات القطاع الخاص، وهذه وحدها فقط قفزة إدارية متطورة يجب علينا كمجتمع واع أن نشجعها ولا نشكك فيها، فنعم المال الصالح في العمل الصالح، وساهر نظام صالح. وعلى كل حال فإنه يجب إظهار مقدار أكبر من الشفافية وعدم التكتم والسرية على هذه المشاريع وميزانياتها وأرباحها؛ فإن نقص الشفافية هو المحرك والمولد للشائعات والأقاويل التي تُنتج التسخط الاجتماعي وما يجر ذلك من آثار سلبية ثقافية وحضارية وأمنية.

إن مما سكت عنه أن قصص الفساد الإداري والمالي هنا وهناك هي سبب الإحباط واللا مبالاة الاجتماعية التي خلقت الشكوك والأوهام في أية مبادرة حكومية أو خاصة تمس جيوب الناس، مهما كانت هذه المبادرة في صالح البلاد والعباد.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد