متعة أن تعبر كل يوم بما تسطره أقلام الكتاب!، والأمتع أن تحصد همومهم المشتركة!، وما أحسب أن وقتا مر على الناس وقد شَغلوا الكتاب بأمورهم العامة مثل هذه الحقبة من الزمن، إذ لو ذهبت تقلب فيما كان من هموم للكتاب، لوجدت الفكر والأدب شعره ونثره، والمعارف المختلفة، وعلوم اللغة، وقضاياها، والتراجم والترجمة والسير والرحلات، بل المعاني المجردة التي يتكون منها وجدان الإنسان وفضائله، ومناقبه، وتتشكل بها قيمه كانت تهيمن على مضامين الأفكار، بل إن الكتاب كانوا أدباء يعنون بلغتهم، ويتفذلكون في صياغاتها ورسمها، ويهتمون كثيراً بتنميق عباراتهم لأنها متعة للنفس، محرضة للخيال، مدرة للأحلام، راسمة ومخططة لكثير من همم الإقبال على الحياة واكتشافها، والتفاعل مع الأحياء ومنجزاتهم، لذلك جاءت المصنفات الكثيرة الباقية مهما عفا عليها الوقت أو غطت عليها زخارف الأحياء، نافعة صالحة للإنسان في أي زمان ومكان إلا ما كان منها عابراً لوقت، تعالج شؤونه عامة وخاصة كما ينبغي لها من قدرة وقوة، وبما ينبغي لها من إمكان وتمكن..، بينما وأنت تمعن فيما يكتب غالبية الكتاب الآن ستجد أن مهنة الكتابة غدت لكل من يفك الحرف، ويصنف خارج مسمى الأميين، إذ أتيحت الكتابة لمن يكتب، وأصبح من يفكر، ومن لا يفكر يكتب، واختلط الكل، فالجميع يلقب بصفة الكاتب، وإن كان من الكتبة يرسم الحروف على ماء..، إذ يذهب به الماء إما إلى أعلى رأس في الموجة فيهلل له، ويكبر من أجله، وإما لأدنى منسوب للموجة فتغطي عليه غيبة الرؤية..، حتى غدا الشك يخامر الأذهان في مستوى وعي الناس في التفريق بين قطرة الماء وقطرة الحبر، وبين لون التبر ولون التراب..، الأبعد فيما يحير هو مدى أهمية الكتابة الصادقة والعميقة في لجج الماء الخليط..؟... وما الذي سيخلفه هذا الهدر والخلط..؟