أصبح المرء وجلاً خائفاً مترقباً، يضع يده على محفظته كلما تلقى رسالة جوال خشية أن تكون مرسلة من المرور بعد تطبيق نظام (ساهر القاهر)!
والحق أن المرور بتدشينه نظام ساهر يرتئي الحد من المخالفات المرورية، وليس لدى العاقل أدنى شك في ذلك، إلا أن السرعة في تطبيقه دون تمهيد وتهيئة وإرشاد وتوجيه للمواطنين والسائقين يعد خطأ فادحاً؛ مما جعل بعض البسطاء يعتقدون أنه يهدف للربح بالمقام الأول؛ استناداً للاستعجال في تطبيقه قبل التهيئة ورفع الوعي العام بأهميته وشرح أهدافه النبيلة الرامية للحد من الحوادث المرورية بالدرجة الأولى.
ولعل ثورة المواطنين واستنكارهم ضد هذا النظام لديها ما يؤيدها إذا أخذنا في الاعتبار بعض السلبيات مثل آلية تسجيل المخالفات على مالك السيارة في حين أنه أحياناً قد لا يقودها كرب الأسرة أو المرأة التي تملك السيارة وتتحمل تكاليفها مع وقف تنفيذ قيادتها. وهذا الإجراء من باب الظلم للملاك وداع ٍللاستهتار والتعمد من قبل السائقين! والأمر يسري على سيارات التأجير أيضاً حيث تسجل المخالفات على شركة التأجير وليس المستأجر، وينطبق على حالة الاستعارة.
وبدلاً من أن يكون نظام ساهر رمزاً للانضباطية، فقد أثار حفيظة معظم الناس وشككوا بنواياه؛ كونه يتبع شركة خاصة وليس للمرور ذاته؛ مما يجرده من الثقة ويقترب به نحو الربحية لدرجة أن الناس أصبح لديهم هاجس بأنهم مهما التزموا بالنظام فستُسجل عليهم مخالفة! رغم أن النظام آلي ولا تتدخل فيه الرغبات والأهواء أو الواسطات وهو ما صرح به مدير عام مرور الرياض.
والواقع أن الإدارة العامة للمرور لم تتح فترة كافية لتوعية الناس وتحذيرهم وتثقيفهم حول ما يشتمل عليه النظام من تجاوزات للسرعة في بعض الطرق والشوارع، وأماكن الحظر، وأنواع المخالفات والغرامات وقيمتها، ومجالات تطبيقها، ومهلة السداد. وكان جديراً بالإدارة العامة للمرور بث برامج توعوية وتثقيفية في المدارس والمساجد ووسائل الإعلام ولوحات الشوارع الدعائية عن أهداف النظام وأسباب تطبيقه، مع توضيح عدد الحوادث والإصابات والوفيات، ومنح الناس فترة كافية لفهم المضامين والرؤى والتطلعات والتكيف معها. مثلما نجحت الإدارة العامة نفسها في التعامل مع حملة حزام الأمان حتى أصبح حقيقة ظاهرة والتزاماً واقتناعاً من الناس وخوفاً من مخالفته.
كما أن المرور لم يراعِ وضع اللوحات الإرشادية المحددة للسرعة في الشوارع والطرقات، ولم يأخذ بالاعتبار أن بعض طرق الرياض الكبرى لا تقبل سرعات دون 120كم/الساعة، كالطرق الدائرية والسريعة؛ مما يجعل أغلب السائقين معرضين للغرامات يومياً إذا ما طبقت المخالفات على السرعة.
ولئن بدأت عبارات الاستجداء والتأوهات واجترار الشكوى والضغط على المشاعر باتهام ساهر؛ كونه يشارك الأسرة مصروفها الشهري، أو أنه يقضي على المصروف حين يكون راتب رب الأسرة لا يتجاوز 1500 ريال وهو ما قد يوازي مجموع المخالفات؛ فيحتار كيف يتصرف؟ وهل يبقي أطفاله هذا الشهر من دون أكل أو شرب؟ برغم أنني أتوقع أن هذا الشخص بذاته سيتحول إلى سائق مثالي؛ فلم أرَ مثل فقْدِ المال معلماً ومؤدباً! أما الأغنياء وأبناء الأثرياء فإن تلك المخالفات ستكون إحدى الدعابات المتداولة في جلسات الوناسة!
وفي الوقت الذي نترقب فيه النتائج ونأمل التأني في تطبيق الغرامات واتخاذ رسائل الجوال تنبيهاً أولياً للمخالفين لمعرفة أنواع المخالفات وتلافيها؛ نتمنى أن يكون نظام ساهر حلاً شافياً لضحايا حرب الشوارع والاستهتار بالقيادة، بل حلاً لاستنزاف الأرواح والأموال. ولعل من لم يتعظ بالإعاقات والأموات، تردعه الغرامات!
www.rogaia.net
rogaia143@hotmail.com