جئنا في مقال الأسبوع الفارط؛ إلى الكلام على اتهام وزارة (الكهرومائية)، ذلكم (الخروف) السمين البدين، بشرب مياه الشرب، لأن الخروف ما غيره، يستهلك في المعدل (250 ألف لتر ماء)، مقابل (كيلو غرام واحد لحم) فقط..!
ظاهرة الظمأ والعطش التي يعاني منها (مليونا إنسان) في الطائف والباحة منذ أكثر من ثلاث سنوات، تعود إذن - وهذا تفسير لا يخلو من منطقية بناءً على إعلان الكهرومائية - إلى الخروف وليس إلى غيره، ولهذا قلت: سوف نؤرخ لمواليدنا ووفياتنا ومناسبتنا الفرحية والترحية، بهذا العام الجاف الظامئ ونقول: (وقع هذا، وحدث هذا، وولد فلان أو مات فلان، في سنة الخروف)..! وحتى.. لو عثر أحدنا على فنطاس ماء صدفة، حُق له أن يدخل موسوعة (سنة الخروف)..!
وبالمناسبة.. فإني لم أتمكن من كتابة مقالي هذا في موعده المحدد، لأني مكثت ثلاثة أيام أبحث عن فنطاس ماء، بعد مرور شهر وخمسة أيام بدون قطرة ماء..! وفي هذه الأثناء، جاءتني أبيات عاطشة ظامئة، من الشاعر المبدع الأستاذ (حسن الزهراني)، رئيس نادي الباحة الأدبي، على إثر نشر مقالي: (الحق على الخروف)، لعله أراد أن يشاطرني رأيي في علاقة الخروف بعطش الباحة والطائف، أو أراد تسليتي في أيام محنتي عن البحث عن ماء للشرب لداري. هل تظمأ الحروف، ويعطش الشعر، إذا ظمأ الناس وعطش الشعراء فيهم..؟!
عصفورة الزهراني، نالها ما نال شاعرها من مس عطشي، فراحت تبحث عن دواء في ماء، وتسأل في كل الجهات وهي تحتضر: (أما من ماء.. أما من ماء)..؟ ولو علمت (المسكينة) بعلاقة الخروف بشح الماء، لانتحرت قهراً وكمداً، ورمت بنفسها من قمة شهدان أو شمرخ، ثم استراحت من هذا البحث العبثي، الذي لا يشبهه إلا بحثي عن فنطاس ماء صغير في ثلاثة أيام قائظة.. ماذا قالت عصفورة الشعر الظامئة، على لسان الزهراني..؟ وماذا فعل الله بها، قبل ظهور (الإعلان الخروفي) على صفحات الصحف..؟
عصفورة بيضاء
شقت عتمة الفجر المسربل بالغباء..
غسلت جناحيها بنهر الداء..
تبحث عن دواء..
عصفورة بيضاء..
جاءت على استحياء..
تغرس في ثرى سمعي
قناديل البكاء..
حطت على كتفي
تتمتم. والشحوب يلف عينيها
ويلمع في محياها التوسل والرجاء..
قالت: بصوت ذابل النبرات
يقطر حسرة دهماء...
يا سيدي
إني أموت.. أموت
من عطش فأين الماء ؟؟
أين الماء.. أين الماء؟؟
يا سيدي
طفت الديار
مشارقا.. ومغارباً..
ورأيت في أفقي سراباً شاحباً..
بل كاذباً..
ورحلت أطرده
وعدت أضم في عيني
حلماً خائباً..
وسألت (عراف) القبيلة
عن(غدير) فيه (ضحضاح)..
(وبئر) يملأ الأقداح.. للأشباح..
فيه للعطاش بقية من (سعن) ماء..
حتى السماء..
سألتها عن غيمة ترتاح
من غضب الرياح
على مرابعنا فتهطل
قطرة أروي بها عطشي
فلم أجد الجواب لديه.
ثم صرخت به: أما من ماء..؟؟
لكن عراف القبيلة قد تيبس
نصب عيني مات من عطش
ومت أنا على العراف حزنا
حاق بي كرب البلاء..
وضاق بي وسع الفضاء..
فجئت أسأل :
أين الماء..؟؟ أين الماء..؟؟
أين الماء ؟؟
من رسولي إلى (وزير الماء)
بلظى (قربتي) و(زير الماء) ؟
من رسولي إلى (الوزير) فإني
بت في حيرة وطول عناء
عطش جاثم كوى صدر صبري
وتغذت وحوشه من دمائي
مت حزنا ومات عطر العشايا
والنوايا في مبهم الوعثاء
هلك (الزرع) (أقطف الضرع) بتنا
ننشد الغاديات قطرة ماء
يا وزيري.. إن قضينا عطاشا
أين تغدو من عدل رب السماء؟؟
وتهاوت العصفورة البيضاء..
من كتفي
إلى كفي
وألقت نظرة سوداء
قد مزجت بجمر اللوم
والتأنيب
وهي تودع الدنيا
على عطش
وأذهلني احتضار صغيرتي البيضاء
فاضت دمعتي
في ثغرها العطشان
فانتفضت.. وقامت
ثم مدت لي جناحيها تحييني
وأغرقني الذهول...
ماذا أقول..؟
ماذا أقول..؟
فحمدت ربي
إذ أعدت بدمعتي الخرساء
بعد الله
للعصفورة البيضاء
روحاً غادرتها
وهي في لجج الشقاء
عادت لتسألني:
أما من ماء.. ؟؟
يا (مارد الما) خبر (الما) بعلما
واعصر (عمايم) غمنا للغمامة
واقسم لنا والا (بع) الما (بع) الما
واقبض حرارة دمعنا وانهزامه
من يحرم العطشان من (نابع الما)
توقظ ضحى ظلمه كتايب ظلامه
تلويحتي من شهقة الظامي أظمى
وقلبي جفاف الضيم بعثر حطامه
ودي بشربة (ما) من الحب الاسمى
و(اسما) ترد لخصر بوحي حزامه
وتقول لي بالله (يا وارد الما)
حدد لحادي القحط حد احتدامه
وإلى أن نشرب الماء.. أستودعكم الله.
assahm@maktoob.com