المملكة العربية السعودية اسم تأنس النفوس لذكره وتطرب، اسم تتوق له القلوب وتخفق، إنها الدولة التي خصها الله بشخصية اعتبارية تلامس قامتها هام السحاب، شامخة عالية، لها قلب ينبض بكل خير وفضل، قلب كبير لا يعرف الكراهية ولا يعرف الحقد، قلب يسع بلطفه وحبه كل دان وقاص، إنها الدولة الصافية النقية عقيدة ومنهجا، لا ترويج فيها للبدع، ولا تسويق فيها للخرافات.
تؤدى فيها العبادات العملية والقولية وفق منهج شرعي وسطي معتدل، واضح صاف من الخرافات والبدع، إنه المنهج الذي ارتضاه الله لعباده، رسخه نبي هذه الأمة وهاديها، وسار على نهجه من جاء بعده من الآل والأصحاب والأتباع، حيث يتواصل العبد مع ربه سبحانه وتعالى مباشرة دون وسيط، يقف بين يديه راجيا منيبا، ويسجد له خاضعا خاشعا، يرجو رحمته ويخشى عذابه.
هكذا يعبد الإنسان ربه في هذه البلاد الطاهرة، ولهذا ومن الحكم الظاهرة أن تأوي إليها أفئدة الناس من كل حدب وصوب فرحة مسرورة، من كل بلاد الله الواسعة يتجه المسلمون للزيارة والحج والعمل، ويجدون ما يسرهم ويسعدهم، نعم يسر فيها قاصدها لما يجد فيها من فرص عمل كريم، ويسر فيها المسلم لما يجد فيها من تسهيل وتيسير لسبل الخير، وأداء العبادات في أجواء إيمانية خاشعة، في الحرم المكي الشريف، وفي حرم المدينة المنورة، طهر وطهارة، نقاء وصفاء.
بسبب هذا، ومن أجله تتجلى مكانة المملكة ورسالتها، وتحقيقا لهذه المكانة، وأداء لهذه الرسالة تبنى ولاة الأمر في المملكة خدمة الحرمين الشريفين، لقبا كريما، وعملا دؤوبا، وترتب على هذه المكانة والرسالة تطلعات كبيرة، وآمال عريضة، فكل مسلم في عموم بلاد الإسلام، عندما تدلهم به الأمور، وتضطرب عندهم الأفهام، وتشط الأذهان، الكل يلتفت يمنة ويسرة، يتسآل ويبحث، ما موقف المملكة؟ ماذا يقول علماؤها؟ ما رأيهم؟.
كان أحد الوزراء من دولة عربية إفريقية في زيارة للمملكة، وكان من أشد الذين لديهم انطباعات سلبية عن المملكة، رتب لزيارته برنامجا حافلا، وكان ضمن البرنامج القيام بجولة في الحرمين الشريفين، ليطلع على معالمهما، وسبل خدمتهما، والتطلعات المستقبلية لتوسعتهما، وبعد أن فرغ من جولته، عاد وعقد لقاء مع عدد من المسؤولين في الوزارة التي رتبت برنامج زيارته، تحدث عن مشاهداته بإعجاب وانبهار، وقال : لو رويت لي تلك الإنجازات ما صدقتها، ولكنني وقفت عليها بنفسي، ووجدت حالا واقعها يفوق الوصف كمالا وجلالا، وقال: كنت أظن أن لقب « خادم الحرمين الشريفين « لقب أطلق لمجرد الدعاية والتباهي، واستمالة العواطف والمشاعر، ولكن واقع الحرمين الشريفين يشهد بكل صدق وأمانة أن اللقب مستحق بجدارة، وأن الحرمين الشريفين يلقيان رعاية كريمة، وخدمة جليلة، وبذل في سبيل إعمارهما مبالغ طائلة لم يشهد التاريخ لها مثيلا، عاد هذا الوزير إلى بلاده وقد خلع قبعته السوداء ولبس بدلا عنها قبعة خضراء، لقد عاد إلى أهله أخضر القلب والرأي والرؤية.
يذكر أحد المتابعين أن كثيرا من الزائرين لهذه البلاد الكريمة لأي غرض كان، سواء بقصد العمرة أو الحج أو العمل، يأتون إليها وقد لبسوا قبعة حمراء أو سوداء، ولكن ما إن يقفوا بأنفسهم على الواقع ويعيشونه، في بعده الشرعي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو العمراني أو أي بعد آخر، بعد المعايشة سرعان ما يخلعون قبعاتهم الحمراء والسوداء ويلبسون بدلا عنها القبعة الخضراء، حيث تبدو لهم الأمور مخالفة تماما لما وقر في أذهانهم، مما يجعلهم يتخلون عن الأفكار السابقة، ويتبنون أفكارا إيجابية تتوافق مع ما تبين لهم من حقائق في غاية الكمال والجمال.
إنهم يعودون خضرا.