لا أعلم أن جهة حكومية قد أثارت من الزوابع الإعلامية ومن الإشاعات مثل ما أثارته الهيئة العامة للاستثمار. هذه ليست أحاديث على مستوى شعبي بسيط كنكات المصريين، بل هي أقاويل قد تجاوزت المجالس والمنتديات حتى صرح بها بعض الفضلاء وتناقلها صحفيون ومتخصصون جملة وفرادى همساً وإعلاناً.
والخوض في أحاديث الهيئة مغامرة محفوفة بالمخاطر، (فالظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم)..
ميزانية الهيئة هي من الأقل من بين الدوائر الحكومية ولكن مهامها -التي أوجدتها لنفسها- وإنجازاتها تُقدر بميزانيات دول.فما شكل هذا عائقاً أمام طموحات الهيئة بل بنت إستراتيجياتها على تسخير القطاع الخاص المحلي والعالمي لتحقيق أهدافها الطموحة.
والقطاع الخاص له أعرافه وتقاليده وأساليبه الإعلامية وطرقه التسويقية المختلفة عن القطاع العام، ومن الظلم خلط هذا بذاك، فالهيئة وإن كانت مؤسسة حكومية فهي تُدار بأسلوب إدارة الشركات العالمية، وهي ترسم بذلك وتبني نموذجاً جديداً للإدارة الحكومية في بلادنا.
وبرغم البيروقراطية العميقة جذورها والمتشعبة فروعها في بلادنا، استطاعت الهيئة أن تحقق خلال سنوات معدودة ما لم يستطع غيرها تحقيقه. فهي من صممت مدناً علمية وصناعية وتجارية على أرقى المستويات وهي في طور الإنشاء وعلى قدم وساق، وجلبت لها التمويلات والخبرات من الداخل والخارج دون الاعتماد أو اللجوء إلى الميزانية العامة، ففضحت بذلك وأخرست غيرها ممن سُخرت له أموال الميزانية فلم يقدم قدماً ولم يؤخرها، وبعض شواهد ذلك «ما نشر مؤخراً في مجلس الشورى بأن هناك 3986 مشروعاً حكومياً بقيمة 6 مليارات لم تنفذ». وقامت الهيئة بابتعاث أبناء جازان وأبناء حائل على حساب القطاع الخاص. كما أقامت الهيئة معهداً تقنياً لتدريب أبناء جازان في ديارهم. وجلبت الهيئة خبرات المستثمرين الأجانب وأموالهم إلى أرض الوطن بينما عمل غيرها على تصدير أموال وقدرات الوطن.
وساهمت الهيئة في رفع سمعة بلادنا التنافسية في بلد ينوء بالبيروقراطية عالياً إلى مصاف أرقى الدول على عظم ما تواجه من معوقات وصعوبات داخلية. وجلبت الهيئة استثمارات وخبرات أجنبية رغم أننا في محيط طارد للاستثمار الوطني فضلاً عن الأجنبي.
كل ذلك تحقق في فترة زمنية قصيرة غفلت الهيئة فيها عن مراعاة خواطر أبناء الوطن فنظر إليها ابن الوطن بعدم الرضا، وعين السخط تبدي المساويا.
فما الذي غفلت عنه الهيئة فأوغرت عليها صدور الناس فاستخرجت منها نزعة الحسد والظلم واستجلبته حتى من فضلائهم؟ هذه النزعة التي قتل قابيل بها هابيل ولم يسلم منها خير بني آدم حتى قتل بعضهم بعضاً في الجمل وصفين! في اعتقادي -كمراقب خارجي- إن نأي الهيئة بنفسها عن القاعدة الشعبية والوطنية وانحيازها الواضح إلى شريحة معينة، وتبني سياسة إعلام مترف وموجه إلى جوانب الترف في المشروعات التي تتبناها دون الجوانب المشرقة الأخرى، وتفضيل الأجنبي على الوطني في كثير من الأمور لإنجاز مهامها إلى حد قد يصل إلى عدم احترام وتقدير الوطني ساعد على تعميق الشكوك في قلوب المحايدين مما خلق جداراً من انعدام الثقة فصل بين الهيئة وبين المواطن.ومما زاد الفجوة التي مهدت للشائعات ولأكاذيب المغرضين والحاسدين هو سياسة نقص الشفافية التي اتبعتها الهيئة في الممارسات الإدارية، ولعل عذرها في ذلك هو من أجل محاولة التغلب على البيروقراطية الحكومية.
إن نجاح الهيئة هو نجاح للوطن جميعه فهو إذن فخر لنا جميعنا، وقريباً جداً بإذن الله سيأتي اليوم الذي سينتفع منه التاجر والإعلامي والأخ والأخت والابن والبنت من إنجازات الهيئة. إن مما سكت عنه إن ضبط وسيطرة نوازع أخوة يوسف التي تتحشرج في صدورنا والتحكم بها على أن تتجاوز الحد الفطري إلى حد الظلم هو من أهم صفات الشعوب المتقدمة التي ضحت فوضعت هم أوطانها فوق همومها ففازت وحصد أبناؤها وأحفادها ثمرة العدل والإنصاف والتضحية.