في أواسط عام 1994م وقفت لأول مرة أدرس في مدرسة مستأجرة المبنى في غرب الرياض، كان الفصل الذي علقت السبورة فيه تعليقا عشوائيا هو (مجلس الرجال)، بينما يصلني صوت زميلتي التي تشرح درسها في (المقلط المجاور). حين تزور اليوم المدارس الحكومية المبنى تظن أن حلما يغشاك لبون المسافة بين الحال اليوم وما كان عليه في الأمس، مما يجعل السعي للتخلص من المباني المستأجرة مطلبا شعبويا ملحا.في عام 1998م رشحت لإدارة تحرير أول مجلة نسائية، كنت أباشر عملي في ملحق علوي يتكون من (غرفتين) في فيلا مستأجرة نسميه بلغة المنازل ملحق (الخدمة)!
اليوم حين تقلني سيارتي إلى مكتبي في مبنى تعليم البنات في شارع التلفزيون وأشهد افتتاح عيادة طبية مكتملة التجهيزات في المبنى برعاية معالي نائبة الوزير لتعليم البنات تستفيد منها 700 موظفة تظهر فيها القدرة الإدارية والتنفيذية لمديرتها المجتهدة د. مضاوي السعيد وفريق عملها الدؤوب، أشعر بأن المرأة مقدرة وأتمنى أن يكون في كل مجمع تعليمي كبير عيادة طوارئ تباشر صحة الطلاب والطالبات بالتنسيق مع وزارة الصحة كما هو معمول به في الدول المتقدمة.ثم تتجه بعدها الأنظار ومعها أدخل باتجاه قاعة أشهد فيها محاضرة عن السلامة والأمن ثم أصعد لأشهد دورة في الإسعافات الأولية، ثم أهبط إلى الدور الأرضي لأشارك في ورشة عمل عن تحسين بيئة المدرسة.
في كل قاعة عمل وتخطيط وتطلع ومشاركات وفاعلات لابد حينها أن تشعر بأن هذا الحراك والحياة الدائبة دليل نجاح نضال نسوي متراكم، حيث الزمن ينصف الذين يجتهدون.
في يقيني أن المرأة السعودية اجتهدت كثيرا وصبرت كثيرا وعملت في كافة الظروف، لم تتوقف لحظة عن اجتهادها وإخلاصها وهي ترى الفرص والمباني والمميزات المادية والمعنوية تذهب لإخوانها الرجال سابقا بل ظلت تعمل وتجتهد متيقنة بأن المجتمع الذي يحصرها اليوم سيعاضد شراكتها غدا.صدقت نبوءة النساء وتحقق لهن حسن ظنهن بوطنهن، تعيين أول منصب وزاري هام يكون في تعليم البنات يعطي مؤشرا مهما في تقدير الدولة لنجاحات المرأة المتراكمة في هذا الميدان، كما أن تعيين سيدة من فئة التكنوقراط هو اعتراف بخبرات المرأة الإدارية.
السيدة السعودية نورة الفايز التي تحتل منصبا هاما غير مسبوق في وطنها، تمثل كل السعوديات المجتهدات اللاتي ناضلن بقوة في أعمالهن منذ السبعينيات الميلادية حيث انخرطن بوظائف صغيرة وفي بيئات عمل بسيطة لا تقارن بما كان يمنح للرجال، لكنهن وفقن في رؤية ثمرة صبرهن حيث تمنحهن حكومة الملك عبد الله بن عبدالعزيز تقديرا خاصا نظير ما بذلن في مقاومة النظرة الاجتماعية المتدنية لعمل المرأة حتى أسهمن بتميزهن في تغيير هذه النظرة وقبول المرأة شريكا رئيسا في التنمية الوطنية الشاملة.
مازال لدى المرأة الكثير من التطلعات لكنها متيقنة بأن دعم ملك البلاد لمشروعها سيكسبها قوة في تحقيق تطلعاتها التي تخلص فيها لدينها ومجتمعها.