الجزيرة - الرياض
وسط إعجاب وتشجيع زوار الحرم المكي اختلطت الدموع بضحكات عشرين طفلاً معاقاً وهم يدخلون لأول مرة ساحة الحرم المكي الشريف، يراقبون عيون الجميع من حولهم، وهي تحتضنهم في دهشة وإعجاب وتشجيع تتساءل عن سر هؤلاء الأطفال الذين يرتدون ملابس الإحرام في طريقهم لأداء مناسك العمرة على مقاعدهم المتحركة!!
القصة من بدايتها انطلقت من داخل أروقة مركز الملك فهد لرعاية الأطفال المعوقين بالرياض والتابع لجمعية الأطفال المعوقين، حيث تم التنسيق مع مجموعة الطيار للسفر والسياحة لتبني رحلة أداء العمرة لعدد 20 طفلاً من أطفال المركز برفقة أولياء أمورهم والاخصائيين من الجمعية وذلك في إطار برامج الدمج المجتمعي التي تتبناها الجمعية، ولأن الرحلة فريدة من نوعها بالنسبة لهؤلاء الأطفال، حيث إن معظمهم كان إلى وقت قريب وقبل الالتحاق بالجمعية منعزلاً عن المجتمع، لذي جاءت الرحلة حافلة بفيض من المشاعر والنتائج.. وصاحبتها دلالات كثيرة يرويها لنا أولياء أمور الأطفال المعوقين الذين رافقوا أبناءهم فيما أطلقوا عليه رحلة العمر.
يقول» عباد مزن المطيري» ولي أمر الطفل «عبدالرحمن» الذي رافق نجله في رحلة أداء شعائر العمرة: «لا يسعني التعبير عن الفوائد الكثيرة لهذه الرحلة من الناحيتين الجسدية والنفسية على عبدالرحمن، فمنذ اختياره لأداء العمرة وقد تهيأ نفسياً لذلك، وأصبح سعيداً ومسروراً إلى أبعد حد، حيث كان يبشر كل من يلتقي به بالرحلة وظل أياماً قبل السفر إلى مكة مهتماً بإعداد كل شي بداية من الإحرام وحتى كرسيه المتحرك، وشعر كل من في المنزل أنه أصبح نشطاً بصورة غير عادية، حيث لم يُعدُّ يشكو مثلاً من كثرة جلوسه على الكرسي لأنه كان مشغولاً بتحضير كل ما يلزمه في الرحلة إلى مكة المكرمة. ويضيف والد «عبد الرحمن» ويوم السفر إلى مكة كاد يطير من شدة الفرح والسعادة، مؤكداً أن البرامج التأهيلية التي تطبقها الجمعية على منسوبيها من الأطفال المعوقين سواءً كانت هذه البرامج رحلات أو زيارات ذات طابع ثقافي أو ترفيهي أو ديني مثل رحلة أداء شعائر العمرة فإنها تكون مفيدة لتأهيل الأطفال لدمجهم في المجتمع لما أنها تعدُّ مكملة للبرامج التعليمية والعلاجية التي يتلقاها الطفل على مدار العام. وأما الطفل «محمد عبدالرحمن الهلالي» فقد رافقته والدته التي تقول: «إن الخدمات المتخصصة تقدمها الجمعية في مختلف مراكزها.. وأن هذه الرحلة هي أبرز الأساليب والوسائل التي تستخدمها الجمعية في علاج وتعليم وتأهيل الأطفال المعوقين، مضيفة أن ابنها «محمد» يتحسن كل يوم أثناء وجوده بالجمعية من خلال اتباع هذه الأساليب والوسائل العلمية والحديثة معهم. وحول أداء شعائر العمرة تقول: «لا يسعني سوى تقديم شكرنا وتقديرنا إلى صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس مجلس إدارة الجمعية على هذه الرعاية الكريمة التي يحظى بها كل طفل معوق في المملكة وليست فقط في الجمعية، فمنذ وصولنا مطار جدة وحفاوة الاستقبال من مسؤولي مركز الجمعية بمكة المكرمة لا توصف، حيث كان الجميع حريصاً على تسهيل كل شيء للأطفال ولأولياء أمورهم، وأخص بالشكر والتقدير مجموعة الطيار للسفر والسياحة لتكفلهم بكل نفقات سفر وإقامة الأطفال وأولياء أمورهم لأداء العمرة.
ويستكمل الاستاذ «ناصر بنيدر العسيلي» ولي أمر الطفل «عبدالعزيز» حديثه قائلاً: تم استقبالنا في مطار الملك عبد العزيز بجدة من قبل فريق العمل بمركز مكة المكرمة، حيث قاموا بتوزيع الهدايا على الأطفال وقد تضمنت كتيبات عن العمرة بالإضافة إلى ماء زمزم، ثم تم توجيهنا إلى مكة المكرمة، حيث أدينا جميعاً شعائر العمرة وسط فرح وسعادة وبهجة أطفالنا التي لا توصف وهم في رحاب البيت العتيق وضيوف الرحمن، مضيفاً أن كل طفل كان في هذه الرحلة قد تغيّر كثيراً عمّا كان قبل الرحلة، فقد لاحظت القبول والرضا على وجوه الأطفال أثناء وجودهم داخل الحرم الملكي الشريف وأيضاً أثناء عودتهم، إنني أعتقد أن ذلك كان فضل من الله تعالى وخير العمرة التي قاموا بأدائها.
رحلة العمر
ومن جانب آخر يرى الاستاذ «زهيان راشد الحربي» ولي أمر الطفل «راشد» أن قيام الأطفال بأداء العمرة قد أسهم في تعزيز ثقتهم بأنفسهم، وتعريفهم بأصول دينهم وتقوية إيمانهم، مضيفاً أن كل ولي أمر طفل كان في هذه الرحلة يشعر بالامتنان للجمعية ورعايتها الكريمة لمنسوبيها من الأطفال المعوقين، كما أن مبادرة مجموعة الطيار للسفر والسياحة هي لفتة كريمة من شركة وطنية تعكس مدى تواصل كل قطاعات المجتمع أفراداً ومؤسسات مع قضية الإعاقة، والحرص على دعم الجهود التي تبذل من أجل هؤلاء الأطفال، وهم فئة في أشد الحاجة للمساندة على مختلف المستويات.
ويرى الاستاذ» منصور الحاذور «ولي أمر الطفل» فهد أن بمكة المكرمة بداية من الدكتورة نجلاء فخر الدين مديرة المركز والاستاذة سلاف حجازي مساعدة المركز ومديرة القسم التعليمي وكل فرد من فريق العمل بالمركز، أسهم في سعادة الأطفال وقد شعروا أنهم شخصيات مهمة وقد منحهم ذلك ثقة بأنفسهم وخصوصاً أن الجميع كان حريصاً على راحة الأطفال حتى تم تسكينهم بالفندق. جدير بالذكر أن الرحلة لم تقتصر على أداء شعائر العمرة فقط، بل شملت أيضاً زيارات أخرى. وفي ذلك تقول الدكتورة نجلاء فخر الدين مديرة مركز الجمعية بمكة المكرمة: إن المركز أعدَّ برنامجاً متكاملاً بدأ باستقبالهم في المطار ثم تسليمهم في فندق فلسطين بمكة. وبعد ذلك ذهابهم ومرافقيهم لأداء شعائر العمرة برعاية شاملة وبصحبة مسؤولي المركز ومجموعة الطيار للسفر والسياحة، والعناية خاصة من مسؤولي رئاسة شؤون الحرمين، حيث صاحب الأطفال عدد من المطوفين أثناء أداء شعائر العمرة. وتضيف مديرة المركز قائلة: وتضمن البرنامج رحلة للأطفال للآثار والتراث، حيث قاموا بجولة في مختلف أركان المتحف وتم التقاط الصور التذكارية لهم وسط حفاوة مسؤولي المتحف.
وتقول والدة الطفل «فهد محمد هادي الشهري» التي رافقته في أداء شعائر العمرة: إن الاهتمام الواسع بالأطفال خلال الرحلة من الرياض إلى مكة ثم العودة إلى الرياض كان محفزاً لزيادة ثقة الأطفال بأنفسهم بالإضافة إلى السعادة والسرور والفرحة التي ارتسمت على وجوههم جميعاً بدون استثناء، وذلك مهم جداً معنوياً للأطفال وأولياء أمورهم أيضاً، فإن الطفل عندما يكون سعيداً يسعد أيضاً أهله، ويصبح مصدر فخر واعتزاز. وتناشد والدة «فهد» كل الشركات الوطنية بالإسراع في التواصل مع الجمعية والتعاون معها من أجل خدمة هؤلاء الأطفال، فهم ليسوا مسؤولية أهاليهم فقط، بل مسؤولية كل فرد وكل مؤسسة في المجتمع، وتلك سمة مجتمعنا السعودي المسلم، فكلنا والحمد الله جُبلنا على فعل الخير وعلى عمل الخير، وولاة أمورنا حفظهم الله قدوة تحتذى في رعاية كل فرد على هذه الأرض الطيبة الكريمة. وفي تلقائية وبراءة يعبر الطفل «مشاري تركي المطيري»: «إننا ذهبنا رحلات كثيرة مع الجمعية داخل الرياض، مثل الجنادرية، ولكن هذه الرحلة هي أجمل رحلة في حياتي، والحمد لله أديت العمرة، وشكرت الله سبحانه وتعالى على كل النعم والخير وعلى أهلي وعلى بلدي، ودعوت لكل من ساعدنا في هذه الرحلة بالخير والسعادة». ومن جهة أخرى يقول «مشبب محمد الملاط» والد الطفل «عبدالله»: لا أعتقد أنني رأيت «عبدالله» مسروراً مثلما رأيته عندما كان يؤدى شعائر العمرة، وهذا فضل من الله تعالى ثم للجمعية ومجموعة الطيار التي تكفلت بهذه الرحلة سفراً وإقامة، وهذا ليس بمستغرب على شركة كبيرة مثلها. موضحاً «أبوعبدالله» أن الرحلة كانت ميسرة بفضل الله تعالى، ثم بالتنظيم الجيد من الأمانة العامة بالرياض ثم فريق العمل في مركز الجمعية بمكة المكرمة، حيث تم استقبالنا بمطار الملك عبد العزيز بجدة ومنه ذهبنا إلى المدينة المقدسة في الأتوبيسات المجهزة للأطفال المعوقين ومنها إلى الفندق، حيث تم تسكيننا وبعد ذلك ذهبنا لأداء العمرة. ويضيف»مشبب محمد الملاط» قائلاً: وأخص بالشكر مسؤولي العلاقات العامة برئاسة شؤون الحرمين، وبالرعاية الكريمة التي حظينا بها من لدن فضيلة الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف واهتمام فضيلته مشكوراً بتسهيل استقبال الأطفال والترحيب بهم، نظراً لظروف إعاقتهم، مما ساعد في أداء العمرة بكل يسر وسهولة للأطفال المعوقين والمرافقين.