ربما شكلت ملفات الاستثمارات الخاصة، تنويع مصادر الدخل، واعتماد الاقتصاد السعودي المفرط على النفط المحاور الأهم لمؤتمر «يوروموني السعودية 2010»؛ فالمملكة تسعى جاهدة إلى الانعتاق من هيمنة النفط على اقتصادها الفتي الذي تمثل فيه العائدات النفطية 80 في المائة، من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية، عقد الشراكات الإستراتيجية، والتوسع في قطاع الإنتاج الصناعي.
عن أهمية تنويع مصادر الدخل، وحاجة الاقتصاد إلى الانعتاق التدريجي من الاعتماد على عائدات النفط كتبت العام 2006 تحت عنوان: « إمكانية الاستغناء عن إيرادات النفط خلال عشرين عاماً» ما نصه: « لن يكون مستقبل الأجيال القادمة مطمئناً مالم تتظافر الجهود من أجل خلق موارد مالية مستقلة عن الموارد النفطية، فلدى السعودية الكثير من مصادر الدخل غير المفعلة، والكثير من القطاعات الاقتصادية غير المطروقة تمثل في مجملها موارد مستحدثة لميزانية الدولة؛ إضافة إلى قطاع ضخم للاستثمارات العامة يمكن من خلاله تعظيم أرصدة الدولة وخلق إيرادات مالية قد تناهز في مجملها 40 في المائة من مجمل الإيرادات النفطية.... في مثل هذه الظروف غير الاعتيادية، ومع توفر الفوائض المالية الضخمة، يمكننا أن ننجح في تحقيق أهدافنا الإستراتيجية وتأمين حياة أفضل لأجيالنا القادمة من خلال الاستغلال الأمثل للثروات المتاحة، ومن خلال تأسيس الصناعات وتنمية القطاعات الاستثمارية التي ستعيننا -بإذنه تعالى- على التحرر التدريجي من الاعتماد على الإيرادات النفطية في مدة زمنية قد تقل عن العشرين عاماً «.
يمكن من خلال الصناعة والاستثمار تحقيق التوازن المنشود في إيرادات الدولة، وزيادة معدلات النمو وتطوير المجتمع بأكمله، وأمثلة النجاح واضحة للعيان، نجدها في اليابان التي أسست لها قاعدة صناعية غزت من خلالها العالم وهي الدولة التي تستورد مجمل احتياجاتها النفطية، ومكونات صناعاتها الأساسية من الخارج. الأمر نفسه ينطبق على بعض الدول الآسيوية. دول فقيرة في مصادر الطاقة، الموارد المالية، والثروات الطبيعية إلا أنها استطاعت أن تحاكي الغرب في نهضته وأن تشق لها طريقاً منافساً في الصناعات التكنولوجية والحربية والمالية.
الأكيد أن محاور مؤتمر يورومني الرئيسة، والمؤتمرات المشابهة الأخرى، ليست بجديدة على الطرح؛ باستثناء القضايا العالمية الطارئة كأزمة اليونان؛ فإدراج وزارة المالية، الغرف التجارية، مؤسسة النقد العربي السعودي، والوزارات الأخرى المعنية بإقامة المؤتمرات مليئة بالتوصيات والدراسات والمشروعات التي تشكل في مجملها مخرجات المؤتمرات المُكلفة التي أُقيمت على أرض المملكة. تعدد الدراسات والأطروحات، سيل التوصيات، ونوعية المشاركين المنتقاة بعناية فائقة لن تحقق الهدف ما لم تتحول إلى مشروعات عمل تلتزم الجهات المسؤولة بتبنيها، معالجة لأوضاع قائمة، أو تنفيذاً لخطط إستراتيجية مستقبلية. الوطن في حاجة ماسة إلى الأفكار الخلاقة، والرؤى المستقبلية، والخطط الإستراتيجية، والعمل الجاد لإحداث النقلة الاستثمارية، الصناعية، التنموية على أرض الواقع، أكثر من حاجته إلى الاجتماعات، سيل التوصيات غير المستغلة، والخطط المُجمدة!. الضوضاء تُثير فضول الآخرين، ويبقى الإقناع مرتهناً بمخرجات مُصدِر الصوت، وقدرته على إحداث النقلة وتحقيق النتائج الملموسة على أرض الواقع.
« العربية » تصنع الحدث
نجحت العربية في منافسة مؤتمر يوروموني من خلال سيل التحليلات الاقتصادية، المعلومات المالية، المتابعة الدقيقة للأحداث، واستنطاق الصامتين!. كانت «العربية» قد أحدثت تغييراً إيجابياً في السوق الكويتية مطلع الأسبوع الماضي عندما حصلت «لارا حبيب» على تصريحات مهمة للسيد إبراهيم دبدوب، الرئيس التنفيذي لبنك الكويت الوطني، توقع فيها تسجيل البنك نمواً بمعدل يتراوح بين 15 إلى %20، وأن تتخطى أرباح البنك المليار دولار بنهاية العام الجاري 2010. وأكد على أن نتائج القطاع المصرفي الكويتي ستكون أفضل خلال الفترة المقابلة من هذا العام، وأضاف: «الأنباء السيئة صارت خلف البنوك الكويتية، أتوقع أن تكون الأمور أفضل خاصة في النصف الثاني من 2010».
على هامش مؤتمر يوروموني كانت كاميرا العربية، ونادين هاني الأبرز في نقل ما يبحث عنه المهتمون بالشأن المالي، والاقتصادي، فتصريحات الدكتور إبراهيم العساف، وزير المالية، المطمئنة أشاعت نوعاً من الثقة في السوق، ولعلها تكون التصريحات المباشرة الأولى منذ نشوب أزمة اليونان، وهو ما يحسب للعربية، إضافة إلى ذلك فإعلان الدكتور العساف عن دعم خادم الحرمين الشريفين صندوق التنمية الصناعي بعشرة مليارات ريال، كان له أثر إيجابي على القطاع الصناعي وثقة المستثمرين. «العربية» نجحت في الحصول على تصريحات للرئيس التنفيذي للبنك الأهلي، عبدالكريم أبوالنصر، توقع فيها تحقيق البنوك السعودية نمواً إيجابياً العام الحالي بنسبة 10 في المائة تقريباً، وأن المخصصات المالية في القطاع المصرفي السعودي تعادل 90 في المائة من القروض المتعثرة، وألا تأثير مباشر للأزمة الأوروبية على البنوك السعودية. أيضا نقلت العربية تصريحات بول تايلور، رئيس وكالة فيتش العالمية التي أكد فيها ثبات تصنيفات الوكالة للدول الأوروبية في ظل الأزمة الحالية؛ وأنه لا يتوقع تعثر أي دولة أوروبية بخلاف اليونان؛ وأن ردة فعل الأسواق على الأزمة الأوروبية مبالغ فيها. تكمن أهمية تلك التصريحات المباشرة في قدرتها على إعادة الثقة، وتبديد المخاوف، والحد من الهلع الذي تسبب في إحداث الضرر الأكبر بالأسواق المالية.
أعتقد أن ما كان يبحث عنه المستثمرون، المراقبون، والمهتمون بالأسواق المالية تلقوه مباشرة من أستوديو «العربية» المفتوح لا من منبر المؤتمر، بل إن الصامتين الزاهدين في التصريحات المهمة التي يبحث عنها الجميع في أوقات الأزمات، تبرعوا بإعطاء التصريحات الحصرية لمحترفات الإعلام الاقتصادي في العربية، وهو ما يدفعني لأن أطلب من الدكتور عبدالرحمن الراشد، مدير قناة العربية، أن يبعث للرياض إحداهن على رأس كل شهر ليضع المجتمع الاقتصادي والمالي في مواجهة مباشرة مع الحدث والمعلومة الشفافة، التي يبدو أنها لا تُستشف إلا من خلال شاشة قناة «العربية».
***
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM