يبدو أن تحذير بيتر أورزاج حول مخاوفه من أن تواجه أميركا مشاكل ديون كالتي واجهتها اليونان أراد به إطلاق الصرخة التحذيرية الأولى للعالم وليس فقط لدولته أميركا التي يشغل فيها منصب مدير مكتب الميزانية بالبيت الأبيض.
فالعالم أصبح لا يلقي بالاً إلى أي مشكلة تتعرض لها الشركات حيال تاثيرات الأزمة المالية عليها فالهم اليوم انتقل من أسواق المال ومشاكل البنوك والقطاعات الاقتصادية إلى عثرات الدول والتخوف من واقع مديونياتها خصوصاً أن المقصودين بالحديث من العيار الثقيل في منطقة اليورو كأسبانيا وإيطاليا بعد أن أفصحت اليونان عن الكم الهائل من الديون التي تثقل كاهلها بما لا يحتمل مما استدعى تدخلاً كبيراً لإنقاذها.
لكن تصريح أورزاج ينقلنا إلى أجواء مرعبة تتعلق بمسار الاقتصاد العالمي وإمكانية الدخول بكساد طويل حتى يتم تصحيح وهيكلة الاقتصاد العالمي واعادة صياغة واقع تقييم أسعار السلع والأصول فلا يمكن سماع مثل هذه التصريحات دون التوقف عندها كثيراً بالرغم من أنها كانت موجهة للمشرعين الأمريكان حتى يتداركو السيناريوهات الصعبة فالحديث عن أن أميركا قد تواجه أزمة شبيهة باليونان تعني أن كل ما تم اتخاذه من تدابير خلال السنتين الماضيتين من عمر الأزمة ستكون في مهب الريح ويحتاج العالم إلى بناء نظام اقتصادي جديد فازمة اليونان التي يخشى أورزاج أن تصيب عدواها أميركا معناها عدم قدرتها على سداد مديونياتها التي تتمثل بسندات خزينة بشكل رئيسي بخلاف خدمة الديون وبالتالي الاضطرار إلى إعادة جدولة ديون واضطراب مالي كبير فمشكلة الديون السيادية ليست باليسيرة الحل خصوصاً لدول كبرى فاليونان ذات الاقتصاد الصغير احتاجت لتدخل من دول الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لتامين مبلغ يمثل ثلث مديونيتها حدد بحوالي 140 مليار دولار الذي سيدفع على ثلاث سنوات فمالذي سيكون عليه الحال إذا تطورت أزمة الديون السيادية لتطال دولة بحجم أميركا يصعب مجرد التفكير بتعثرها لأنها تمثل ربع الاقتصاد العالمي مما دعى مساعد وزير المالية الصيني للتعبير عن قلقه حيال مستوى الدين الأمريكي وهي الدولة التي تعتبر أكبر مشتري لسندات الخزانة بما فاق 890مليار دولار
فديون أميركا تجاوزت 12 تريليون دولار أي مايعادل 94% من الناتج الإجمالي وعجز الموازنة سيفوق هذا العام 1550مليار دولار أي مايفوق 10 % من الناتج الإجمالي والاتجاهات هناك نحو تخفيضه وعملية اتباع سياسات مالية متشددة ستضر بالاقتصاد والخيارات لا تبدو سهلة فكلها تحمل إيجابيات وسلبيات والمرحلة تتطلب التركيز على الانفاق والمرونة بالسياسات المالية والنقدية وكلها لاتخدم تضييق فجوة الدين والعجز الحكومي على المدى المنظور حتى العام 2020 والتي يتوقع فيها أن يصل الدين إلى 250% إذا ما استمرت أميركا بنفس النهج الإنفاقي الذي يتم تغطيته بالاقتراض
فأميركا تعرف حجم مشكلتها ولكنها تحاول استباق أسوأ الأحداث والتصريح الأخير لا يمكن أخذه من باب تحذيري فقط وتحفيز على سرعة إيجاد الحلول بل قد يكون تهيئة الأجواء للأسوأ والتي سيكون لها تداعيات لا أحد يعرف أين ستقف أو حتى حلولها وكذلك انعكاساتها على الاقتصاديات والأسواق المالية وأين ستقف أسعار الذهب والنفط وماهو مصير العملات الرئيسية فكلما تنفس العالم قليلا من ضغوط الأزمة الحالية إلا وتظهر انتكاسات جديدة.
يذكرنا هذا التحذير بما قاله أحد المتنبئين بالقرن الماضي بأن أميركا ستنفق بشدة حتى تفلس وكان نفسه قد تنبأ بأن ينهار الاتحاد السوفيتي بسبب توسعه الجغرافي وكذلك أن ألمانيا ستهزم وتنهار بسبب كثرة حروبها ويبدو أن اثنتين تحققتا إلى الآن وبقيت الثالثة.