وعندما نأخذ في الاعتبار جميع صور الاستخدام يحق لنا أن نتساءل: ما دام الناس كلهم يدركون خصائص التقنية المعلوماتية الحديثة ومزاياها في كل المجالات، فمتى يمكن أن تحدث شيئاً من التغيير الإيجابي في حياتهم..
.. فيصبحوا أكثر اكتراثاً بقيمة الوقت ودقة العمل واستفادة من كنوز المعارف والمعلومات التي تستوعبها وتوفرها لهم التقنية؟؟
إنهم - بالتأكيد - من خلال الاستخدام الرشيد لهذه التقنية وبعد أن يلمسوا فائدتها في حياتهم اليومية وأعمالهم سوف لا يمرون عليها مرّ الكرام مكتفين بالتلقي والاستهلاك والاتكالية، بل سوف يثور في أذهانهم - ولو بعد حين - الفضول فيتفكرون في ماهيتها وكيف توصل الصانع إلى إبداعها ويسعون لمعرفة أسرار صنعتها، وماذا يلزمهم من فكر وإبداع وعلم لصناعة مثلها، وأي قيود تكبلهم وتمنعهم من تحرير فكرهم وإبداعهم الذي وهبه الله لهم ليكونوا مصنعين لا متبضعين، متفاعلين لا متلقين. ولكن ماذا يعني أن يستخدم الإنسان التقنية المعلوماتية الحديثة استخداماً رشيداً ؟ إنه يعني أن يتخذها وسيلة تساعده على إتقان عمله وترتيب شؤونه وحوائجه بطريقة منهجية منظمة، سواء في ذلك أيستخدمها كعامل عليها أو كمستفيد من مخرجاتها.
ولكي نبقى في المجال الطبي، هل يقوم الطبيب المتلقي لنتائج الفحوص - مثلاً - بالترجمة الفورية لما يطالعه على الشاشة من معلومات إلى رد فعل مكافئ لصالح مريضه؟ هل يسارع إلى مراجعة حالة المريض في ضوء النتائج المبلغة بالكمبيوتر أم ينتظر وقت الزيارة أو موعد المقابلة؟ هل تسارع شركة التأمين - مثلاً - إلى الرد على طلب المستشفى بالموافقة على إجراء علاجي معين أم تترك المريض قلقاً يتململ في قاعة الانتظار؟ ربما نقلل من شأن هذه التساؤلات وأمثالها بأن نصنفها في خانة التحسين والتنظيم ضمن بيئة العمل، والمريض في كل الحالات مضمون له تلقي العلاج عاجلاً أم آجلاً. ولكن ما الذي سيحدث عندما تصبح هذه التقنية السريعة المريحة الدقيقة المحملة بالمعلومات هي التي يعتمد عليها كواسطة الاتصال بالمريض؟ هل سيبني الطبيب قراراته على ما تقوله الأجهزة وليس على ما يقوله المريض أو يشعر به؟ وبعبارة أخرى هل ستصبح العلاقة المباشرة بين الطبيب والمريض مسألة ثانوية؟ إنها على أي حال لن تكون علاقة إنسانية صرفة، سوف تدخل الآلة الرقمية كطرف ثالث في هذه العلاقة. ولكن ماهو الجديد في ذلك؟ في زمن سالف - قبل خمسين سنة مثلاً - كانت الآلة أيضاً موجودة في دائرة العلاقة بين المريض والطبيب: المختبر والأشعة وتخطيط القلب - على سبيل المثال -. لكن تلك الأجهزة كانت أدوات في يد الطبيب تساعده على فهم وعلاج مشكلة المريض، وكانت تقوي ثقة المريض في الطبيب. أما اليوم فإن التقنية المعلوماتية صارت بالنسبة للطبيب جزءاً من المريض، وأحياناً هي الواجهة التي يرى الطبيب من خلالها مريضه. وهذا هو ما نعنيه عندما نقول إن العلاقة بين المريض والطبيب لم تعد علاقة إنسانية صرفة. وعلى الرغم من هذا التغير في نوع العلاقة فإن التقنية الحديثة قمينة بتعويض سلبيات هذا التغير من خلال سد الثغرات التي تعيق خدمة المريض في النظام الصحي. وهذه أمثلة لذلك:
- إجراءات تحويل المرضى وضرب المواعيد لهم يمكن تسريعها وتحسين فعاليتها باستغلال سرعة تدفق المعلومات بين مستشفى وآخر وإنشاء ملف صحي إلكتروني موحد المواصفات والمعايير يدور مع المريض حيثما يكون.
- ربط المستشفيات العامة في المناطق والمحافظات بالمستشفيات التخصصية والمرجعية من خلال شبكة الطب الاتصالي لتقديم الرأي الطبي المتخصص حول حالات مرضية صعبة قد يرهقها ولاينفعها التحويل إلى مستشفى آخر.
- ربط أقسام الأشعة في المستشفيات المتوسطة حجماً بنظام مركزي لقراءة صور الأشعة قراءة صحيحة من قبل المتخصصين في المستشفيات الكبرى.
من المؤكد أن الاستخدام الرشيد والاستفادة الكاملة من تقنية المعلومات الصحية يستوجب تدريباً مكثفاً ومطرداً للفنيين العاملين عليها وأيضاً للمستخدمين، وحسناً فعل المؤتمر إذ أكد على ذلك في توصياته.