الفتاوى المتشددة تفضح نفسها، وتجعل المدافع عنها في وضع ضعيف؛ وهي منذ تحريم البرقية، مررواً بتحريم تعليم المرأة وأنظمة المرافعات الشرعية وحتى تكفير مبيح الاختلاط، لم تغيّر من الواقع شيئاً بقدر ما أدانت مطلقيها. والمتطرفون إذا ارتفعت أصواتهم، وعلا ضجيجهم، وكثفوا قذائفهم التحريمية أو التضليلية أو حتى التكفيرية، يتعوّد عليها الناس، وتصبح على مستوى الفعالية تضعف ويتناقص مؤيدوها مع الزمن، حتى تنتقل من الجغرافيا إلى التاريخ؛ مثل فتاوى تحريم القهوة في القرن العاشر، ومثل تحريم البرقية والتلفزيون والصور وخلافها في عصرنا.
الشيخ البراك هو (رمز) من رموز التشدد، لا ينافسه في منهجه التكفيري هذا أحد. والشيخ البراك محاط بطلبة وأتباع يُقدمون له المعلومة التي يُريدون، ويحجبون عنه من المعلومات ما يريدون؛ فيوجّهون فتواه في النتيجة إلى الوجهة المحددة سلفاً والتي ربما لا يعلم عنها البراك نفسه.
وكان الشيخ البراك قد أسدى نصيحة مكتوبة وجهها إلى ثلاث شخصيات ممن أباحوا الاختلاط غير المُفضي إلى مُحرم هم : وزير العدل الشيخ الدكتور محمد العيسى، والقاضي الشيخ الدكتور عيسى الغيث، و الشيخ الدكتور أحمد الغامدي. والسؤال : لماذا حصرَ البراك المخاطبين بهذه (النصيحة) في هؤلاء الثلاثة دون غيرهم؟ .. السبب أنه، أو من (وجّهوه) إلى إصدار هذه النصيحة، أرادوا إيهام الناس أن من يقف مع الاختلاط غير المفضي إلى مُحَرم هم (فقط) هؤلاء الثلاثة، رغم أن الواقع يقول بخلاف ذلك. فهناك فقهاء آخرون أفتوا بإباحة الاختلاط طالما أن الغالب على الظن أنه لا يُفضي إلى محرم وفرقوا بين الخلوة المحرمة والاختلاط. ومن هؤلاء حسب ما نشر في الصحف : الشيخ عبدالله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء. الشيخ الدكتور قيس المبارك عضو هيئة كبار العلماء. الشيخ الدكتور يعقوب أبا حسين عضو هيئة كبار العلماء، أستاذ الدراسات العليا بالمعهد العالي للقضاء وكلية الشريعة بالرياض. الشيخ الدكتور سعود الفنيسان عميد كلية الشريعة في الرياض في جامعة الإمام سابقاً.الشيخ الدكتور عبدالله اللحيدان وكيل وزارة الشؤون الإسلامية للشؤون الإسلامية. الشيخ الدكتور حاتم بن عارف الشريف أستاذ الدعوة وأصول الدين في جامعة أم القرى وعضو مجلس الشورى. الشيخ عبدالعزيز المهيزع القاضي بمحاكم الاستئناف الجديدة (التمييز سابقاً). الشيخ عبداللطيف الحارثي القاضي بديوان المظالم. الشيخ الدكتور محمد العبد الكريم أستاذ أصول الفقه في جامعة الإمام. الشيخ الدكتور جاسم المشاري رئيس لجنة الفتوى في منتدى السلفية بالهيئة العالمية للدراسات والبحوث الإسلامية.الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. الشيخ الدكتور علي جمعة مفتي مصر. الشيخ الدكتور نصر فريد مفتي مصر السابق. الشيخ الدكتور محمد طنطاوي شيخ الأزهر السابق رحمه الله. الشيخ الدكتور عبدالله شاكر الجنيدي الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية. الشيخ عكرمة صبري مفتي القدس. الشيخ الدكتور الفقيه الزحيلي (فقيه الشام). الشيخ الدكتور محمد الجندي الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
أن يخص الشيخ البراك ثلاثة من الفقهاء (فقط) بهذه النصيحة يُعطي إيحاءاً غير بريء، أراد - على ما يبدو - أن ينفثه في عقل المتلقي، مما يُثير الكثير من علامات الاستفهام حول غاية وهدف الشيخ البراك من هذه النصيحة ابتداء .. للبراك، كما لغيره، أن يختلف مع الآخرين، أما أن يجعل رأيه، ورأي من يؤيده، هو رأي (الأغلبية)، بينما أن (العكس) هو الصحيح، فهذا أقل ما يقال عنه أنها (انتقائية) ذات غرض لا تليق بطالب علم صغير فكيف بمن وضع نفسه في مصاف العلماء الكبار؛ الأمر الذي يُشكك في آرائه الفقهية وغاياتها وأهدافها ومدى صدقيتها . ثم إذا كان الاستقراء لدى الشيخ البراك بهذا القصور فكيف ستكون اجتهاداته الأخرى التي تتطلب جلداً وصبراً في الاستقراء والتتبع العلمي؛ ورحم الله امرءاً قال خيراً فغنم أو أمسك فسلم.
إلى اللقاء.