لم أكن قط مؤهلاً للقيام بدورٍ في الحياة عدا الاستمتاع بمباهجها من أكل وشرب ونوم.عشتُ حياتي في دلالٍ وسعة من العيش.فأبي رجلٌ غني مما جعله يحيا حياة هانئة ومريحة.ووالدتي مطيعة لوالدي إلا فيما يخص التربية، فقد كانا على طرفي نقيض! حيث كان الوالد تربوياً صارماً، بينما والدتي جاهلة ببعض أصولها. ونتيجة لذلك؛ لم أكمل دراستي واتجهتُ لكل طريق يؤدي إلى فساد! سواء من الأصدقاء أو ممارسة السلوك السيئ صغيراً ومراهقاً وشاباً !
فلم يكن التدخين أقصى ما جربته، بل إنني تعاطيت الحشيش وأدمنت عليه، وأتبعته بأنواع المخدرات الأخرى! ولم أكن بعيداً عن الكوكايين، وأعقبته بأشياء أشد شراسة! وكنت متنصلاً عن العبادات أولها الصلاة فلا تنال أدنى اهتمامٍ مني، وتبعها الصيام، ولحقتها بقية العبادات والمعاملات،عدا أنني كنت متمسكاً بكوني مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله ! وثقتي بالله كبيرة لا يدركها من حولي إطلاقاً، برغم أن سلوكي لا يعطي دلالة على هذا الاعتقاد الراسخ الذي لم يفارقني لحظة. حيث كنت ألجأ إليه في كل ما يعترضني من عقبات وأجده رؤوفا بحالي.
دلفتُ دهاليز الضياع بكل عنفوان، تمدني أمي بحنانها بلا انقطاع، وبدلالها المتدفق بلا توقف، برغم تقدم عمري، وكنت أنظر لنفسي باستحقاق هذا الاهتمام ! فباعتقادي أنه لم يوجد على ظهر البسيطة من هو أفضل مني، ولم تلد النساء أعظم مني ! ويمنحني ما أتعاطاه من حشيش هذا الشعور فيحيل واقعي البائس إلى أحلام وردية دون رائحة!
كانت الوالدة تصفق لشكلي الوسيم وطولي الفارع وأناقة ملبسي، وقدرتي الفائقة على التفحيط، وشجاعتي في القضاء على خصومي، فأخرج من كل معركة ومشادة بانتصارات هائلة مهما كانت الجراح الجسدية التي أنكّل بها من يشاكسني حتى ولو كانوا أشقائي! وفي كل مرة أخرج من توقيف الشرطة أو السجن وأنا في نظر أمي المجني عليه لأن الناس لم يفهموا شخصيتي ولم يقدروا مكانتي!
طردني والدي من المنزل، فتلقفتني شياطين الأنس وأحالتني لرئيسٍ للشياطين، فازددتُ طغياناً واستبداداً، وكفراً إلا بخالقي الذي أدعوه دائماً ولم أسجد له سجدة!
وكإجراء علاجي رأت والدتي انتشالي من الوضع البائس؛ فأدخلت في تفكيري الزواج! وبالفعل تزوجت فتاة جميلة لطيفة عاقلة لا ينقصها شيءٌ من مقومات الزوجة! وكان الأمر مكتوباً فتم الزواج وأحببتها كثيراً وأحبت هي روح الدعابة والنكتة في شخصيتي قبل أن تكتشف حقيقتي. وأنجبت عدة أبناء باهري الجمال والذكاء، وعاشت أسوأ أيام عمرها لتعرضها للضرب والتعنيف والإهانة، وزاد في مصيبتها وفاة والدها ففقدت القوة وتمسكت بالصبر على تصرفاتي!
ونتيجة لسوء تعاملي معها فضلتْ الانفصال وتركتني، فحرمتها من أولادها، واضطررت لوضعهم عند والديَّ العجوزين.وعاشت هي مع والدتها، ثم تزوجتْ فمنعتها من رؤية أولادها عقاباً لها على زواجها، وكان والدي يزورها خلسة مع أولادي بعد وفاة زوجها !
وحين تجاوزتُ الخمسين انتبهت فجأة لنفسي؛ فرأيتُ نتائج ذلك الضياع خصوصاً بعد قيام أحد أبنائي بعلاجي من المخدرات والمسكرات.وكان هذا الابن صالحاً متفوقاً في دراسته،وخرجت إلى النور بجانب والدي العجوزين المريضين، ورأيت إخواني يعيشون في رغد العيش، بينما أنا بعد مرور خمسة وعشرين عاماً من فراق زوجتي لم أحقق شيئاً ! ورغم كل ذلك لم أفقد قط ثقتي بربي وإيماني العميق به.
وحين أرى ابني يداوم على الصلاة في المسجد أشعر بالانكسار والألم، وكان يدعوني ويحثني على مرافقته للمسجد، فانصعت له ذات مرة وأنا في غاية الخجل من ربي، ومنذ ذلك اليوم لم أترك الصلاة قط ! ولا زلتُ واثقاً بربي في عودة زوجتي الحبيبة وإعادة بناء أسرتي من جديد!
أيتها الكاتبة..هل تتوقعين أن ترضى زوجتي بالعودة إليَّ بعد هذه الرحلة الطويلة من الضياع؟!
ألا يحق لها أن تعيش حلاوة الحياة وطيبتي، كما ذاقت مرارتها وقسوتي وجبروتي؟!
وهل يمكن أن تصدق أنني سأعوضها عن تلك الأيام المريرة؟
والكاتبة تقول:
أيها التفاؤل ما أوسعك !
أيها الأمل ما أرحبك !
أيها الإيمان ما أروعك !
وتدعو القراء الأعزاء للتفكر والمشاركة في الرأي، عسى أن نبذل للقارئ التائب الرأي السديد!
rogaia143 @hotmail.Com
www.rogaia.net