الإعلام مشارك حقيقي في تنمية المجتمعات وصناعة الإنسان، بل هو في نظر الساسة والمنظرين والمستشارين رقم صعب في كل عمل وطني يستهدف شرائح المجتمع المختلفة، والصحف على وجه الخصوص لا يقتصر دورها على نقل الأحداث وتحليلها، واستقطاب المعلنين والمسوقين، واستكتاب أصحاب الأقلام المبرزين المعروفين، بل يتعده إلى أبعد من ذلك بكثير ولذا فالمسئولية الوطنية لأعضاء مجالس إدارات الصحف ورؤساء التحرير توجب عليهم وتلقي على عواتقهم نقل المعرفة النظرية بأهمية الدوائر الإعلامية في التنمية الحضرية من حيزها الضيق الذي يقتصر على مخاطبة النخب المثقفة إلى دائرة التفعيل المجتمعي الواسع، نتيجة قيام هذه الصحف بدور المرشد والحامل لِهمِّ التثقيف والتوعية لإنسان الوطن وفي كل الميادين، والكاتب هو أيضا لابد أن يعي دوره التنموي الحضاري وأن يتخلص من عقدة الأنا واستعراض ثقافته الذاتية وفرد مصطلحاته الفكرية ليعيش مع الناس ويلامس همومهم ويكتب عن واقعهم ويكون لساناً صادقاً لهم وفي ذات الوقت يشارك وبفاعلية في رسم معالم طريق البناء الحضاري المرتقب متجرداً ومخلصاً للحقيقة التي ينشدها الوطني الحق، بعيداً عن الأستاذية أو الوصاية أو محاولة فرض الرأي أو الاستمالة الفكرية لتيار وافد يسعى جاداً لتغيب الهوية وطمس محددات الخصوصية التي هي من مستلزمات البناء الحضاري المستقل في كل العصور وعلى كل حال، أو حتى العكس، ومن هذا الباب وعلى هذا الأساس كان الكرسي العلمي الذي ترعاه الجزيرة «كرسي الجزيرة للدراسات الصحافية في التنمية الحضرية» والذي احتضنته جامعة حائل، وتم توقيعه صباح يوم الأحد قبل الماضي، لينتظم في منظومة الكراسي العلمية السعودية وليشكل لبنة إضافية في بناء الجزيرة العلمي المتميز وليكون ثامن سبعة سبقت وقعها رئيس التحرير الأستاذ خالد بن حمد المالك مع عدد من الجامعات السعودية المعروفة، والقارئ في رؤية ورسالة وأهداف ومناشط هذا الكرسي الجديد، والمطلع على ما نشرته الجزيرة نهاية الأسبوع الماضي عن زيارة الأستاذ المالك لحائل ولقائه بصاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سعد بن عبد العزيز نائب أمير منطقة حائل، والمدقق فيما قال رئيس تحرير الجزيرة في اللقاء المفتوح الذي أقامه الكرسي في أول باكورة أنشطته والذي رعاه معالي مدير جامعة حائل أ.د. أحمد بن محمد السيف، هذا الإنسان القارئ والمطلع والمدقق قطعاً سينتهي به القول بأن التوجه الأساس لهذا الكرسي والرسالة التي ينشدها القائمون عليه هو تفعيل دور الصحافة في التنمية الثقافية والاجتماعية في مجتمع حائل المحلي، وما ماثله من مجتمعات، ومحاولة تطوير قدرات العاملين في الميدان الصحفي، وإيجاد جيل من الإعلاميين يتواكب عملهم مع مسار التنمية الحضارية في هذا الجزء من الوطن، ومثل هذا اللون من ألوان الأنشطة العلمية يرتكز بشكل أساس على الأبحاث العلمية والندوات والمحاضرات وورش العمل وحلقات النقاش ذات الصلة المباشرة بمسمى الكرسي، ومع أن العمل عمل مشترك يوجب التكاتف والتعاون من أجل مستقبل وطني أفضل إلا أن أعضاء هيئة التدريس في جميع الجامعات السعودية المتخصصين في هذا الحقل من حقول المعرفة، والإعلاميون المخضرمون أصحاب التجربة والريادة والسبق مدعوون قبل غيرهم للمشاركة الحقيقية في أنشطة الكراسي الإعلامية التي بادرة الجزيرة لتبنيها وفتح جسور التعاون مع عدد من جامعاتنا التي هي بوابة البناء لإنسان الوطن.إنني في الوقت الذي أثمن فيه هذا الجهد العلمي الواعي أشيد بهذه الخطوة المباركة التي تنم عن وعي كامل لمتطلبات المرحلة وتحديات اليوم، وأشكر من القلب طرفيها متمنياً أن يتحقق من خلال أنشطة كرسي الجزيرة في جامعة حائل ما يتطلع له إنسان المنطقة وما يتمناه، مثله في ذلك بقية الكراسي العلمية التي تحتضنها جامعة حائل وغيرها من الجامعات السعودية وإلى لقاء والسلام.