المجتمعات العربية، بل وكل مجتمعات الدنيا، هي بلا شك ليست مجتمعات ملائكة، ومثلما تزخر هذه المجتمعات بالجوانب الإيجابية المضيئة هناك جوانب سلبية تظهر نتوءات تشوه مسيرة تنمية تلك المجتمعات، التي أخذت تتزايد مع اتساع مساحات التنمية وتعدد مساراتها؛ فتفشت الرشوة، وأخذت تلبس لبوس الهدايا، وانتشر الإهمال بعد أن غشت الغشاوة العيون التي تأثرت بما يقدَّم لأصحابها من مصالح، ونتيجة اتجاه الكثيرين نحو تغليب مصالحهم الشخصية على المصلحة العامة؛ ما جعل ظواهر الفساد المالي والإداري تتفشى، وأوجد ظاهرة لا يمكن تجاوزها والتغاضي عنها: ظاهرة واسعة من الفساد تشمل جرائم متعددة، مثل الرشوة والمتاجرة بالنفوذ وإساءة استعمال السلطة والثراء غير المشروع والتلاعب بالمال العام واختلاسه أو تبديده أو إساءة استعماله وغسل الأموال والجرائم المحاسبية والتزوير وتزييف العملة والغش التجاري..
سلسلة من الجرائم والممارسات التي يولدها الجشع والتخلي عن أهم سمات المرء الإنسانية؛ فعندما يتجرد المرء من إنسانيته يكون على استعداد لارتكاب أحقر الموبقات وأخطر الجرائم.
ولكي تحصن المجتمعات والشعوب حقوقها ومكتسباتها، وتقطع الطريق على كل من تخلى عن إنسانيته وقيمه وغرق في وحل الفساد، أنشأت هيئات ومؤسسات لتحصين المجتمع ومحاربة الأعمال الإجرامية التي يقدم على ارتكابها الفاسدون، وسنَّت القوانين التي تحد من أفعالهم، ووضعت الضوابط والأنظمة لمعاقبتهم. والمملكة العربية السعودية شأنها شأن العديد من الدول النامية، التي ابتُلت مثل غيرها بهذه الظاهرة، وإن لم تصل إلى درجة الشيوع والانتشار كما في دول كثيرة، إلا أن المبادرة واستباق انتشار الظواهر الشاذة والمضرة أفضل أساليب تحصين المجتمعات؛ ولهذا فقد أنشأ مجلس الوزراء في فبراير - شباط 2007م الهيئة الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد بوصفها أداة تنفيذية للاستراتيجية الوطنية للنزاهة.
هذه الأداة يفترض بل يجب أن يتكامل عملها ودورها مع الجهات الرقابية والقضائية الأخرى كالمحاكم وديوان المظالم وديوان المراقبة. إذن كل جهة من هذه المؤسسات لها واجبها وعملها، ومثلما للمحاكم واجب إيقاع الأحكام على من يتجاوزون الأنظمة ويخرجون على المجتمع ويرتكبون الجرائم، وديوان المظالم في مقاضاة المسؤولين والمؤسسات الحكومية، وديوان المراقبة يراقب أداء الإدارات الحكومية ويدقق في حساباتها، فإن هيئة مكافحة الفساد بعد إنشائها يجب أن يكون عملها تكاملياً؛ فديوان المراقبة يختص بالرقابة على المال، وهيئة مكافحة الفساد تكشف الفاسدين وتحقق معهم وفق الأساليب والطرق المعتادة، وهي مهمة لا بد أن تجد مساندة ودعما من المواطنين بالإبلاغ عن التجاوزات التي تحدُّ من تنمية الوطن وتبدد ثروته؛ ما يتطلب من أبناء الوطن حماية كل هذا.
***