كنت إلى برنامج في إذاعة لقرآن الكريم، أقطع بالاستماع لها الطريق استجلاء لنوعية البرامج فيها بعد أن طال بي الزمن، ودولبة الوقت تزجنا من بعد كل حلقة في حلقة أخرى ضمن متاريس ركضها، فلا نجد وقتا للإصغاء إلا في طريق تجتز مسافته وزحمته وقتا إضافيا، أو آخر من ورائه متطلب يُفرض علينا الصبر على طول وقته، فإذا بي أستمع لبرامج مفيدة، جددت بعض معلوماتي، وحركت في نفسي رغبة في العودة لمعين التراث التاريخي لعلماء الإسلام ممن قاموا على دراسة وتحقيق وشرح وإيضاح بعض وأجزاء وطوال وغرائب الأحاديث، والمواقف... ومنها ما كان حول فقه المعاملات، وشرح الغريب، ومواقف البيت النبوي المطهر، وكأن هذه الدنيا التي غشيها ما غشاها من دكن الظلمة، ومسحات الغبار، ووخزات الفراغ، وشتات الفوضى، وعموميات التضارب، قد أخذت نبضا جميلا من الصدور، وسطرا مبهجا من السطور، وصوتا نديا من النداءات، وظلا ظليلا من النعم، وفرحة كانت تعم وتستقر حين نهم استسقاء من معين انهمرت مياهه على سمعي، وامتدت طمأنينته لصدري، مما أنبت شجرة فكرة خضراء يافعة في لمحة داخل فكري، وجدتني أتمناها ماثلة في أيام الطلاب والطالبات، مغروسة داخل ما يتلقونه كل يوم، تلك التي أتت في سؤال: ماذا لو وضع منهج مستقل بمسمى «قدوتي» يشمل مضمونه نماذج حية من علماء أثروا تراث الأمة، ورفدوا دعامات إرثها الفكري والبحثي في مجالات العقيدة والفقه والتفسير والتوحيد والمغازي والنبوة والصحابة والأدب والسير والمعاجم واللغة، ومن هم في الحاضر يبدعون وينتجون..؟
ذكرني هذا بما حدث داخل فصل مدرسي قبل أسبوع ومعلمة النصوص تقدم عن الشاعر المعاصر الأديب عبدالله بن إدريس قصيدة لطالبات المرحلة المتوسطة، فتبتدرهن بالسؤال عنه، فإذا هن يرددن كالببغاء ما ورد من تعريفه في الكتاب المدرسي، لكنهن لا يعلمن عنه شيء، وقد جاءت أسئلتهن عنه أحي يرزق؟..أطال الله في عمره.. إذ لم يرد لمسامعهن شيء عن تكريمه الأخير في مهرجان سلطت أيامه كل شاشة وصحيفة ومذياع على تفاصيل برنامجه.. فثقافة الأفراد في مجتمعنا إما يجتهد لها الفرد أو تأتي بالصدفة، وتنزع إلى الوقتية، والمناسباتية، إذ لم تعن بها برامج التعليم ولا مناهجه.. والدول عادة تضع في أولوياتها تعريف الفرد برموزه...
بارك الله فيمن يشرف ويعد ويخرج ويشارك في برامج إذاعة القرآن الكريم فهي رافد يزيل عن الصادي عطشه، وعن العروق جفافها.