Al Jazirah NewsPaper Friday  14/05/2010 G Issue 13742
الجمعة 30 جمادى الأول 1431   العدد  13742
 
أكدوا أهمية التكاتف لنبذ الغلو والتطرف.. عدد من القضاة وأساتذة الشريعة لـ(الجزيرة):
مؤسسات المجتمع المدني مطالبة بالنهوض لمجابهة الانحرافات الفكرية وترسيخ الوسطية والاعتدال

 

الرياض - خاص بـ(الجزيرة)

سعت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد عبر مجموعة من البرامج الدعوية التي نفذتها على مدار السنوات الماضية، ولا تزال تواصل تنفيذها في المساجد سواء كانت محاضرات أو كلمات وعظية، أو من منبر الجمعة لترسيخ الوسطية والاعتدال، ومحاربة الفكر المنحرف، وفي ظل هذا العمل المتواصل من قبل وزارة الشؤون الإسلامية لتحقيق هذا الهدف، ولأهمية التكامل بين مختلف مؤسسات المجتمع. ما المطلوب من الجهات الحكومية والقطاعات الأهلية في هذا الشأن؟ وكيف ننهض بجميع مؤسسات المجتمع المدني للوصول إلى مجتمع تترسخ فيه مبادئ الوسطية والاعتدال، وتتأكد فيه روح المبادءة والمبادرة لمواجهة أي انحراف فكري يستهدف المساس بالأمن الفكري والعقدي المستند إلى كتاب الله، وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام -؟

كانت تلك المحاور التي طرحناها على عدد من القضاة وأساتذة الشريعة.. فماذا قالوا؟!

النفرة عن الوطن

في البداية تحدث د. إبراهيم بن صالح الخضيري - القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض قائلاً: لا شك أن وزارة الشؤون الإسلامية في منشئها وفي منبتها الخير والبركة وفي قيادتها أيضاً الفلاح والخير والنفع لهذه البلاد المباركة ومما يحمد لوزير الشؤون الإسلامية وهو العالم المعروف أنه لم يدخل في معترك من المعتركات التي تؤدي إلى النفرة عن الوطن وإلى التفرقة بين الناس كان وسطاً عدلاً منضبطاً في تصريحاته وأقواله، وهذه المنهجية تغرس في المجتمع حب البلد والانتفاع بخيراته وبلا ريب أننا إذا تأسينا برسول الله صلى الله عليه وسلم وربطنا المجتمع كله بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وبأنوار النبوة وإشراقة الإنسانية العميمة، فإننا نجد تقبلاً وعقولاً تتفتح وخيراً ينتشر بسبب أداء المسجد لرسالته السامية العظيمة من خلال زرع المحبة ومن خلال الطرح المتعقل الهادف، ومن خلال أيضاً التآلف والتعاون بين الجميع وإبعاد كل ما من شأنه أن يزرع الحقد والبغضاء بين الناس، وعندما نتأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه البررة الكرام ونقرؤها للناس ونقرؤها قراءة فكرية متعمقة فإننا نجد أنها تزرع في النفوس آمالاً طوالاً وآفاقاً واسعة وتشرق من خلالها شمس المعرفة وأنوار الهداية وبالتالي يظل المسلم يردد في نبضات قرآنه إياك نعبد وإياك نستعين، أهدنا الصراط المستقيم، فيظل في مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين يترقى خطوة خطوة ودرجة درجة حتى يعلو في الآفاق متأملاً قول الله عزَّ وجلَّ: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}.

فيجد أنه كلما ترقى في درجات التأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته المكرمين وفي درجات التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهي موافقته بقصد الموافقة فيما أذن الله ورسوله به تعبداً لله تعالى فإنه يكون حينئذ قد عمل الوسطية ونشرها بقوله وفعله واعتقاده وطهر نفسه من أدران الإلحاد وسار في سبيل المؤمنين وسلك سبيل الصالحين، وبالتالي نجد أننا بإذن الله تعالى أوجدنا مجتمعاً مثالياً يتمتع بأوصاف قرآنية نبوية وينقل للناس من خلال سلوكياته الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ ويكون مجتمعنا في تلك الحالة كتاباً مفتوحاً يقرؤه الناس قراءة صحيحة يعشقون من خلاله سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المكرمين حين يرون الإيثار، والتعامل الراقي والأخلاق والكلمات الجميلة وحين يرون الابتسامة يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (وابتسامتك في وجه أخيك صدقة) فمثال من طلب نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أقرب الناس مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويألفون) فحسن الأخلاق دعوة ربانية دعا إليها ربنا حين أثنى على رسوله صلى الله عليه وسلم مقسماً والصادق جل جلاله ومن أصدق من الله قيلا {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} فمن هذا المنطلق نجد أن وزارة الشؤون الإسلامية وهي تبذل جهوداً جبارة في نشر الوسطية وفي دعمها وفي ترجمة معاني القرآن الكريم ونقله إلى العالم، كله من خلال التلفزة ومن خلال صلاة التراويح ترجمة آمنة مطمئنة سليمة ومن خلال نشر القرآن الكريم من مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، نجد أن هذه الأمور العظيمة الجليلة تكرس في المجتمعات الإنسانية كلها النظرة الصحيحة للإسلام فهم ينظرون إلى هذا المجتمع السعودي على أنهم أبناء الصحابة وعلى أنهم قدوة للناس وعلى أن الإسلام انطلق من هنا فيجب أن يكون تعاملهم وأخلاقهم راقية وتعاملهم كبيراً لخدمة الإسلام والمسلمين.

قاعد العلم والعمل

أما د. عبدالرحمن بن معلا اللويحق - الأستاذ بكلية الشريعة بالرياض، فقال: إن نهوض المجتمع تحكمه آليات كثيرة متنوعة، لكن نجد أن من النهوض تأصيل المجتمع على الخير بدعوته إلى الإسلام الحق والذي من مفرداته تقوى الله - عزَّ وجلَّ - والتي هي معقد الخير كله فهي فرقان ونور قال الله - عزَّ وجلَّ -: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}، ولقد كثرت الوصايا النبوية بلزوم التقوى لأن التقوى جماع الخير، وهي بمثابة القاعدة التي يبنى عليها العلم والعمل، وما أتى أكثر الناس من بابٍ من أبواب الانحراف قدر ما أتوا من ضعف الخوف من الله، أو انعدامه؛ فضلوا في الفكر، وانحرفوا في العمل، ولو استقام لهم دينهم، وتحققت في نفوسهم تقوى الله - تعالى -، لاستقام فكرهم واعتقادهم، واستقام أيضاً عملهم.

ومن عوامل نهوض المجتمع المهمة اعتصام المجتمع بالكتاب والسنة، وقد جاءت النصوص دالة على وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة، وطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}.

ومن التأصيل أيضاً تأصيل المجتمع على محبة الحق وقصده فقد عظم الإسلام الحق، وجعل له منزلة عليا، فعليه قامت السموات والأرض، وأنزل الله الكتاب بالحق، فقال الله - عزَّ وجلَّ -: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا}، {اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ}، والخلق بطبيعتهم فطروا على محبة: (الحق)، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (والقلب خلق يحب الحق، ويريده ويطلبه).

ومن عوامل نهوض المجتمع تحصينه وحمايته ومن ذلك التحذير من الفرق المنحرفة الضالة، فإننا نجد ذلك في السنة حيث حذرت السنة من فرق الضلال، وأمرت بلزوم الحق، ورأس ذلك بين في قوله صلى الله عليه وسلم: (افتَرَقَت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فِرقةً، وتَفرَّقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقةً وتفتَرقُ أمَّتي على ثلاث وسبعين فرقة)، ولقد جاء التحذير مبيناً بوجه أخص خطر الخوارج، وعظيم ضررهم على الأمة، والخوارج: (صنف من المبتدعة يعتقدون أن من فعل كبيرة كفر، وخلد في النار، ويطعنون لذلك في الأئمة, ولا يحضرون معهم الجمعات والجماعات).

ومن مفردات تحصين المجتمع تحذيره من الابتداع والمبتدعة و(البدعة في الدين هي ما لم يشرعه لله ورسوله، وهو ما لم يأمر به أمر إيجاب ولا استحباب، فأما ما أمر به أمر إيجاب، أو استحباب، وعلم الأمر به بالأدلة الشرعية، فهو من الدين الذي شرعه الله، وإن تنازع أولو الأمر في بعض ذلك، وسواء كان هذا مفعولاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يكن).

ومؤسسات المجتمع المدني من مؤسسات خيرية وعلمية عليها أن تقوم بدورها في الاهتمام بهذه الجوانب المهمة جميعها عبر برامج عمل طويلة المدى، تؤسس الخير، وتعمق الاستقامة، وتحذر من الشرور والانحرافات المختلفة.

ثقافة الدعوة

ويؤكد د. إبراهيم بن ناصر الحمود - الأستاذ المشارك في المعهد العالي للقضاء بالرياض: أن وزارة الشؤون الإسلامية هي إحدى القطاعات الحكومية المهمة التي أثبتت وجودها وحققت أهدافها من خلال تلك المناشط المختلفة في سبيل الدعوة إلى الله وتثقيف المجتمع وتوجيهه، كما أنها مؤسسة حكومية رائدة في الدعوة إلى التوسط والاعتدال في المنهج والسلوك، وجهود معالي الوزير الشيخ صالح آل الشيخ في هذا المجال جهود ملموسة تذكر فتشكر ولمعاليه عدد من المؤلفات التي تدعو للوسطية ونبذ الغلو والتطرف وبيان المنهج السليم في مواجهة الفتن، والبعد عن مزالق الهوى والانحراف الفكري، تحقيقاً للأمن والاستقرار في المجتمع، وقد انعكست هذه الجهود المباركة على أنشطة الوزارة الدعوية التي عنيت بترسيخ هذا المبدأ في نفوس الناشئة خاصة من خلال تلك المراكز الدعوية والملتقيات والندوات والمحاضرات والمخيمات الدعوية التي تقيمها الوزارة في مناطق المملكة، وما يصحب ذلك من مناشط أخرى تحت مسمى (كن داعياً).

وإذا كانت الوزارة قد أدت دورها بنجاح - ولله الحمد - في المجال الدعوي فإن على كافة المؤسسات الأخرى الحكومية والأهلية واجب الدعم والمؤازرة والمشاركة الفاعلة في خدمة المجتمع التي هي مسؤولية الجميع، فتلك المؤسسات تعد رافداً قوياً لحماية الأمن الفكري إذا هي جعلت ذلك من أولويات اهتماماتها فإن حماية هذا المجتمع من الفكر المنحرف والأخذ بيده إلى التوسط والاعتدال مسؤولية كل مواطن ومقيم، ولدى هذه المؤسسات من الإمكانات ما يجعلها تقف جنباً إلى جنب مع الوزارة، فهي لا تخلو من أهل الخير والصلاح الذين لهم تجارب واهتمام بالجانب الدعوي.

ولتبدأ كل مؤسسة حكومية أو أهلية بنشر هذه الثقافة الدعوية بين موظفيها حتى يشعر كل موظف ومسؤول بأهمية هذا الأمر ومدى تأثيره في سلامة المنهج - وضرورة تحصين المجتمع من سموم الأفكار الهدامة والدعايات الباطلة. ومتى كسب كل موظف هذه الأهمية استطاع بعزمه وحسن قصده بعد توفيق الله أن يكون داعية إلى نصرة دين الله والتمسك بالأخلاق الفاضلة ولزوم منهج التوسط والاعتدال في الفكر والسلوك.

كما يجب على كل مؤسسة مساندة الوزارة في مناشطها مادياً ومعنوياً وإمدادها بالكوادر العلمية المؤهلة. فإن هذا الجانب جزء لا يتجزأ من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو مسؤولية كل مسلم ومسلمة. وهذا يتطلب وقفة جادة من تلك المؤسسات مع الوزارة ومشاطرتها همومها الدعوية.

ولا شك أن مواجهة الفكر المنحرف والدعوة إلى التوسط والاعتدال لا تقتصر على جهود الوزارة فحسب، بل لابد أن يكون الجميع يداً واحدة في هذه المواجهة، ولا بد أن تعرف كل مؤسسة دورها في هذا الجانب. وتكون على صلة وثيقة بالمكاتب الدعوية وتسهم في طباعة الكتب والمطويات ونشرها وتوزيعها ويكون لها ملتقى دعوي في كل عام مرة على الأقل كل ذلك من أجل تحقيق الأمن الفكري وحماية المجتمع من الغلو والانحراف. وقد قيل: التعاون أساس النجاح، والإنسان ضعيف بنفسه قوي بإخوانه، وهذه المؤسسات تشكل وحدة متكاملة وبعضها مكمل لبعض، والوزارة لن تدخر وسعاً في تقديم خدماتها لتلك المؤسسات من أجل أن يعمل الجميع صفاً واحداً في الوصول إلى الهدف المنشود وهو حماية الأمن الفكري وسلامة المجتمع من الانحراف ووسائله.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد