خدمة الدين هي أشرف وأجل وأسمى وظيفة يقوم بها الإنسان على وجه الأرض ولهذا شرف الله بها صفوة خلقه الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- فاختارهم من بين خلقه وأوكل إليهم القيام بمهمة جسيمة وأداء رسالة عظيمة وهي دعوة الخلق إلى عبادة الخالق وإخراج الناس من ظلمات الجاهلية إلى نور الحق المبين، ومن عبادة الطاغوت إلى عبادة الله، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}، ومن بعد الأنبياء والرسل سار علماء الأمة على نهجهم وحذوا حذوهم وتأسوا بهم وحملوا الراية من بعدهم أجيالاً بعد أجيال ولهذا سماهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ورثة الأنبياء ثم تبع العلماء الدعاة وطلبة العلم الأوفياء الحريصون على دينهم والغيرون على محارم الله فقاموا بواجبهم بالدعوة إلى الله في أوساط الكفرة والملاحدة والصادين عن ذكر الله كما قاموا بتوعية المسلمين وتفقيههم بأمور دينهم عملاً بقوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، واتباعاً لهدي المصطفى -صلى الله عليه وسلم- القائل: (بلغوا عني ولو آية) والقائل: (ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)، فكتبوا الكتب وسطروا الرسائل وسمحوا بذلك لكي تعم الفائدة وينتشر الخير بين الناس وسافروا على نفقتهم الخاصة إلى مشارق الأرض ومغاربها في سبيل الدعوة إلى الله وهداية الناس وردهم إلى الصراط المستقيم ونفع الله بهم خلقاً كثيراً لا يريدون جزاءً ولا شكوراً إلا من الله سبحانه وتعالى وهؤلاء هم حقاً الذين خدموا الدين ولكن هناك فئة من المحسوبين على الدعاة وطلبة العلم امتطوا صهوة الدين وسخروه لخدمتهم بدلاً من أن يقوموا بخدمته فلا يقومون بأي عمل لخدمة الدين إلا مقابل أجور معينة ومحدودة فإذا ألقوا محاضرة أو موعظة منعوا الناس من تسجيل محاضراتهم ومواعظهم بسبب حقوق المحاضر ومؤسسة التسجيلات وذلك بحجة التنظيم والتنسيق حسب زعمهم مع أن الهدف واضح كوضوح الشمس وإذا دعي أحدهم إلى إلقاء محاضرة اشترط توفير السكن في فندق أو شقة مفروشة تسعه وزوجاته وأولاده مع تأمين المواصلات والإعاشة وبدلاً من أن يقيم يوماً واحداً يجدها فرصة للإقامة ثلاثة أيام أو أربعة للتفسح والترفيه على حساب المضيفين ولابد من مراسيم الاستقبال وإلقاء عبارات الثناء والإطراء والدعاء لهم وإفساح صدور المجالس لهم وكأن الإسلام ما قام إلا بهم، وفئة أخرى لا يمكن أن تقوم بخدمة الدين إلا إذا كان هناك انتدابات ومكافآت والإعلان عن نشاطاتهم المتميزة في وسائل الإعلام المشاهدة والمقروءة والمسموعة فكم أصبحنا نرى ونسمع عن هؤلاء الذين في الواقع لم يخدموا الدين بل استخدموا الدين لتحقيق مصالحهم الشخصية ومطامعهم الدنيوية تحت غطاء خدمة الدين والدعوة بحثاً عن الأضواء والشهرة وهم في الواقع لم يخدموا إلا أنفسهم فامتلأت جيوبهم وزادت أرصدتهم بعد أن امتطوا صهوة الدعوة وقادوها في سبيل تحقيق أهدافهم ونزواتهم قال -صلى الله عليه وسلم-: (تجدون الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون خيار الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهية، وتجدون شر الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه)، ألا فليتقوا الله هؤلاء وليعلموا أنهم يدخلون في قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}.
دعاء: (أللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا).
اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل، آمين.
hamoodshem@hotmail.com