Al Jazirah NewsPaper Friday  14/05/2010 G Issue 13742
الجمعة 30 جمادى الأول 1431   العدد  13742
 
رئيس محكمة الاستئناف عضو المحكمة العليا.. د . صالح المحيميد لـ(الجزيرة):
حق الورثة رد الوصية إذا مات صاحبها

 

طالب رئيس محكمة استئناف عضو المحكمة العليا الشيخ الدكتور صالح بن عبدالرحمن بن سليمان المحيميد الموصي بالابتعاد عن كل المضارة في الوصية، سواء فيما تصرف فيه، أو في النظار، فلا يوصي لأحد من الورثة إلا برضى الجميع. ورضاهم المعتبر بعد موت الموصي، وقال: إن لكل وارث أن يرد وصية مورثه إذا مات، ولو علم بها قبل موت الموصي، وسكت إرضاء للموصي، فالوصية إنما هي قربة لله، فإذا ضمنت ما يجلب البغضاء والشحناء بين الورثة تكون إثماً، قال ابن عباس رضي الله عنه: «الإضرار في الوصية من الكبائر»، والأفضل لمن أراد أن يوصي أن يستشير من يعرف حاله، وحال ورثته ممن هو أهل للاستشارة من العلماء والعقلاء وذوي الحس الاجتماعي، فما خاب من استشار، وقد يوصي الإنسان بوصية يستفيد منها أولاده وأزواجه، وله في ذلك أجر إذا كانوا في حاجة وهم أولى ببره من غيرهم، فإذا أغناهم الله ارتفع عنهم شرط الاستحقاق، وطبق على غيرهم من الأقارب أو غيرهم ففضل الله واسع.

وأبان الشيخ المحيميد أن للموصي أن يفصل في وصيته، ويذكر فيها كل ما يريد، لكن يجعل في آخر ذلك قيداً يفتح المجال للوصية، كأن يقول بعد ذكر ما يريد «والباقي من الغلة يصرف في أعمال البر على ما يراه الناظر»، ولا بأس أن يوثق وصيته لدى كاتب العدل، ويأخذ بذلك صكاً، أو يدون الوصية على ورقة لها أكثر من صورة، تكون بخط يده أو بخط معروف موثوق، ويشهد عليها شاهدان، ثم بعد كل حين يراجع ما كتب مما استحسن بقاءه يبقى، وما رآه يحتاج إلى تغيير غيره، لأن له ذلك في حياته.

جاء ذلك في حديث للشيخ المحيميد عن الوصية، مستهلاً إياه بالقول: علينا معشر المسلمين أن نقف ونتفكر فيما أمامنا بعد الموت، وماذا يجب علينا حال الحياة عمله، لنؤمن مستقبلنا، فالحياة سوف تنتهي وإن طالت السلامة، ودام الأمن والرخاء، وما بعد الحياة حياة أخرى، والكل منا سوف يعيش تلك الحياة بسعادة، أو بشقاء، يحدد ذلك عمله في الحياة الدنيا، فمن عمل صالحاً خالصاً لوجه الله، موافقاً لكتابه وسنة رسوله، سعد في أخراه، ومن كان على خلاف ذلك فحسابه عسير، إلا من رحم الله، ورحمة الله إنما تكون للمحسنين، ولذا لابد لنا من العمل الصالح وأنواعه كثيرة، ومن أهمها الوصية، وهي الأمر بالتصرف بعد الموت، أو التبرع بالمال والعقار بعده.

واستشهد الشيخ صالح المحيميد بعدد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية عن الوصية ومنها قوله جل في علاه: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ)، وقال صلى الله عليه وسلم :»إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، وكل هذه الأمور الثلاثة تتحقق في الوصية، فمثلاً من كان عنده مال كثير وأوصى بعقار له ريع كالأجرة وغيرها، يصرف في وجوه البر عامة حسب ما يراه الناظر، أو في وجوه البر خاصة، من الإنفاق على المحتاج من الذرية وغيرهم، أو تكون في ما ينفع المجتمع كالتعليم وعلاج الفقراء وغير القادرين، وغير ذلك من أوجه البر والإحسان، فهذا من الصدقة الجارية المذكورة في الحديث الشريف، أما إذا أوصى لدار من دور العلم أو أنفق على تأليف أو طباعة كتب نافعة أو علم أولاد المسلمين ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، فهذا من العلم الذي ينتفع به، وأجره يكون للموصي في حياته وبعد موته، ويتحقق الأمر الثالث وهو دعوة الولد الصالح، وهو غير الوارث من أولاد الأبناء وأولاد أبنائهم، فهؤلاء إذا أوصى للمحتاج منهم فيصح ذلك، ويكون له أجر، لأنها صدقة وصلة، ويحصل على دعواتهم له بالمغفرة والرحمة والرضوان، كلما نالهم من وصيته شيء، ومن هذا يتضح الفائدة الشرعية العظيمة للوصية، لذا يحسن المسارعة في تدوين الوصية، ومما ينبغي أن يتنبه إليه الموصي أن يحسن النية، ويجعل مراده من الوصية وجه الله، ونيل ثوابه وأجره، لا عقاب الورثة.

وزاد الشيخ المحيميد قائلاً: إن الوصية شرعها الله لحكمة بالغة، وغاية نبيلة، فهي سبب قوي للدعاء للموصي، والثناء عليه، وهي صدقة من الله على الموصي، حيث ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم زيادة في حسناتكم»، والمراد الوصية لأن لكل ذي مال أن يوصي بثلث ماله لمن شاء، فالوصية النافعة إذا كانت تشمل الأقارب المحتاجين، ففيها صلة وصدقة، وصلة الرحم من موجبات الرحمة، بل من أسباب حسن الخاتمة، ولقد اتفق علماء الأمصار على أن الوصية مندوب إليها مرغوب فيها، ومن الأحسن إذا كان المال كثيراً، والورثة قليلون أن يوصي بما يكون له ريع كبير، ويضع من الشروط والضوابط ما يضمن بقاء أصل الوصية، ويحافظ على بقائها واستمرارها، ولا يجعل إدارتها إلا للأمين القادر على الإدارة، ويوضح أوجه الصرف، ويجعل للإدارة الحق في الإنفاق على أفضل أوجه البر، لأن أوجه البر بعضها أفضل من بعض، حسب الزمان والمكان، فقد يكون في سنة الإنفاق على الفقراء أفضل من غيره لكثرة الفقر، وشدة الحاجة، وهذا أمر قد يزول، فقد يرتفع الفقر بفضل من الله، وتقل الحاجة، لكن يكون هناك وجه آخر مثل حاجة الناس للعلاج، أو الزواج، أو التعليم، فالناظر إذا أعطي صلاحية من قبل الموصي يصرف الريع فيما الحاجة إليه أدعى، لأن هذا أنفع للمجتمع، وأرضى لله، وأكثر ثواباً للموصي.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد