تعتبر الاستشارة أحد المكونات الرئيسية في إعطاء النصيحة والرأي السليم القويم والنظرة الثاقبة الهادفة للمراكز المؤثرة، ولا يقل دور المستشار عن دور القيادي في بلورة الوعي المتقدم للأفراد وللمجتمع وللمؤسسات المختلفة، بل إنها تشكل الركيزة الأساسية المعتمد عليها للنهوض بالراكد والمتدني والهامشي في الواقع الاجتماعي، أن دور المستشار الواعي المخلص الأمين هو مساعده القيادي أيا كان موقعه وإنقاذه من البراثن والمتاهات والأزمات التي قد تعصف به، وللمستشار أدواته المختلفة التي من خلالها يستطيع ترويج وتثبيت أفكاره التي تحمل جهودا عالية في ضوء ما يحمله من رؤى تنتج عنها مخاضات تصب في مجرى الحل السريع للإشكاليات الكبرى حسب معطياتها، أن عطاء المستشار يجب أن يكون ميتافيزقيا أو معرفيا أو أخلاقيا لتصب في التالي وفق صياغة نظريات وأفكار معرفية غاية في الدقة والمهنية واستشراف القادم من الأيام على أن تكون هذه الاستشارة وهذه الرؤية ملتصقة تماما بالهم الوطني والإنساني وبناء فكر يتسامى مع الإنسان ويؤشر على مصلحته، أن دور المستشار الفعال والمؤثر والمؤتمن هو تحويل الأشياء الديموغواجية المزيفة إلى أشياء ذات هوية وطنية ناصعة، أن بعض المستشارين في بعض المواقع باتوا من المؤسف من الذين حملتهم الرياح إلى حيث يرغبون انتصارا للذات وليس للهم الوطني والاجتماعي، وهم يعتقدون أنهم في مسلكهم هذا قد وصلوا إلى شواطئ دافئة فازداد التصدع والقطيعة ما بين المستشار والهم والغاية الاجتماعية وضاعت الأمانة حتى تخلى المستشار عن دوره الحقيقي في توصيل الحالة إلى من يهمه الشأن بشكل مباشر وقوي وأمين، إن انزلاق المستشار في متاهات فرعية استثنائية بعيدا عن المعطيات الكبيرة وحجم عظمها يدل دلالة قطعية على الانغماس في الترف واللا شعور عن ما يحدث في الواقع المؤلم الذي قد يؤدي تركه إلى تراكمات قابلة للاشتعال، إن على المستشار ألا يكون بمعزل عن الحراك الاجتماعي والضجيج الكلامي وحتى الهمس خلف الأبواب المغلقة، وبالتالي فعليه وجوب تقديم تنازلات وانحناءات والغور في الأحداث والتجاذبات اليومية لتوصيلها إلى المراكز القيادية المؤثرة لتحقيق الأهداف المنشودة، أن شخير المستشار الفاتح العينين والمرتدي عباءة الوهم بأنه يرى هو أحد إشكاليات الوعي الذي لا ينبغي أن يكون، إن على المستشار أن يخرج من بيته الأليف ومكتبه الجميل لتسجيل ما يحدث على أرض الواقع بعيدا عن الكبرياء والرغبات والمشتهيات التي قد تكون سببا في اتخاذ قرارات خاطئة لا يحسها أو يقدرها صاحب القرار ذاته، إن بعض المستشارين يصرون على تقديم اسم الاستشارة بين يدي حاجاتهم وتظلماتهم فقط دون النظر في الاعتبارات والاحتياجات الاجتماعية الأخرى، أن أهمية دور المستشار تكمن في رفضه التام لنداء نفسه الأمارة بالطموح المفرط، وإحياء دوره كضمير حي للمراكزه والقيادات المؤثرة، من كل هذا فإننا نقول إن خطورة الاستشارة هي بنفس خطورة الفتوى ولا يمكن أن يستهين المستشار العاقل في طبيعة الاستشارة البناءة الهادفة ذات النتيجة والمردود الإيجابي، لأن أي قرار مؤثر لا تسنده استشارة حصيفة يمكن أن يكون فارغاً من محتواه وبعيدا عن الأهلية والمشروعية، وبهذا نصل إلى قناعة نستطيع من خلالها أن نبني عليها الرأي وهي أن الاستشارة لا يمكن أن تسير بثياب مصطنعة، بل إنها مثل الحقيقة لا تمشي إلا عارية كما يصفها الفلاسفة.
ramadanalanezi@hotmail.com