من يتتبّع دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، المتضامنة مع الأسرة السعودية، بدءاً بالإمام محمد بن سعود رحمه الله يرى أنها دعوة مخلصة، ويريد الإمامان محمد بن سعود، وبنوه من بعده، ومحمد بن عبدالوهاب، نشر
هذه الدعوة وإبلاغها للمسلمين في كل مكان، على منهج السلف الصالح وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، على نور من الله، وأداء لدور أمانة التبليغ، وتنقية عقيدة التوحيد.
والباعث لهذا الحديث عن هذا الموضوع، أنني كنت أتصحَّفُ دورية ألمانية من أعرق المجلات اسمها ( ISLAMICA) وتاريخ هذه الدورية، في عددها الأول، من المجلد السابع عام 1935م الموافق لعام 1354هـ وقد جعلت الصحيفة لهذا البحث، الذي هو عبارة عن إيراد للرسالة، التي قالوا عنها: هذه رسالة راسل بها سعود الوهابي - هو الإمام سعود بن عبدالعزيز- أهل تونس، وهذه الرسالة لم تؤرّخ، حسب ما كتب باللغة العربية منها، ثم تلتها الترجمة من ص76 - 79 .
وقد أورد النص العربي بالحروف العربية، كما جاءت، أما التعليقات ورأيهم الخاص فباللغة الألمانية، التي لا نعرفها بل بالاستعانة.
وفي المقدمة أوردوا كلمات يراد منها تشويه الدعوة، حيث قال المقدم للرسالة: هذه رسالة راسل بها سعود الوهّابي - هو الإمام سعود بن عبدالعزيز، الذي دخل مكة محرماً مع أتباعه، في عام 1219هـ يعني بعد وفاة الشيخ محمد بن عبدالوهاب بـ 13 عاماً، ثم قال:»وكان هَدَم القباب التي بالحرمين، وسفك دماء بهما وبغيرهما» هذا نصهم، مع أنه رحمه الله وجميع الأئمة من آل سعود، يدركون حرمة الحرمين وهذا الكلام من الكذب على الإمام سعود، فلم يَسْفك دماً، ومن دسائس الغربيين التي تبرز في كل زمان ومكان، فالإمام رحمه الله عندما دخل الحرمين بشهادة الحجاج المغاربة، وقاضيهم كما جاء في الرصد التاريخي، عند المؤرخ الناصري في كتابه الاستقصاء في تاريخ المغرب الأقصى الجزء الثامن وعند غيره من المهتمين.
وقد كان الإمام سعود قد بعث رسائل للدول الإسلامية في إفريقيا وغيرها، ويظهر لي أنها غير الرسائل التي كان يبعثها الشيخ محمد، لأنه في هذا الوقت قد مات في عام 1206هـ.. وهذه دليل على اهتمام الأئمة من آل سعود، بالدعوة، والدفاع عن التوحيد، كما يبين من نصائح الإمام عبدالعزيز بن محمد.
وحقيقة الأمر كما نقل ذلك علماء المغرب، ومفتيهم، وكانوا مصاحبين للمولى إبراهيم بن السلطان المولى سليمان سلطان المغرب، وحصلت مناظرة بين علماء المغرب، والإمام سعود في حج عام 1226 هـ ، فقال المولى إبراهيم ومن معه من أتباع: ما رأينا من ابن سعود ما يخالف ما عرفناه من ظاهر الشريعة، وإنما شاهدنا منه ومن أتباعه، ما به الاستقامة والقيام بشعائر الإسلام من صلاة، وطهارة وصيام ونهي عن المنكر وتنقية الحرمين من الآثام (ينظر تفاصيل المناظرة وشهادة مفتي وعلماء المغرب للإمام سعود وأتباعه بالتزكية) بل إن المولى إبراهيم بن السلطان بن سليمان، والركب المرافق له بعلمائه ووجهائه، بعد مناقشة الإمام سعود والعلماء معه، رجعوا وهم يحملون الثناء، والرضا عن عمل الإمام سعود، بل زاد على ذلك أنّ هذا المولى جعل القاضي الفقيه؛ أبو إسحاق إبراهيم الزرعي، هو الذي يتولى الكلام والنقاش، مع الإمام سعود، الذي شهد له الوفد المغربي بما ينافي ما جاء في هامش الرسالة من أعمال نسبوها للإمام سعود. فكان من جملة ما قاله ابن سعود لهم: إنّ الناس يزعمون أننا مخالفون للسنة المحمدية، فأي شيء رأيتمونا خالفناه من السنة؟ وأي شيء سمعتموه عنا قبل مجيئكم واجتماعكم بنا؟ فقال القاضي: بلغتنا أنكم تقولون بالاستواء الذاتي، المستلزم لجسمية المستوى، فقال له: معاذ الله، إنما نقول كما قال الإمام مالك رحمه الله: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب.. فهل في هذا مخالفة؟! قالوا: لا، وبمثل هذا نقول أيضا. ثم قال القاضي الزرعي له: وبلغنا أنكم تقولون بعدم حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وحياة إخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في قبورهم.
فلما سمع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، ارتعد ورفع صوته بالصلاة عليه، وقال: معاذ الله، إنما نقول: إنه صلى الله عليه وسلم حيّ في قبره، وكذا غيره من الأنبياء، حياة فوق حياة الشهداء. وبالمناسبة فإن الإمام سعود ووالده الإمام عبدالعزيز يعتبران من العلماء.
ثم قال المؤرخ المغربي: أحمد الناصري، الذي حرص أن ينقل جزءاً لا بأس به، من تلك المناقشة بين الجانبين: الجانب السعودي، الذي يمثله الإمام سعود بن عبدالعزيز، ومن معه من علماء نجد، في الدور الأول من أدوار الحكم السعودي، والجانب المغربي الذي يمثله المولى إبراهيم بن السلطان سليمان بن محمد بن عبدالله العلوي، في جماعة من علماء المغرب وأعيانه، ومعه جواب من والده السلطان سليمان، ومعهم المفتي فوصلوا الحجاز، وقضوا المناسك، وزاروا الروضة الشريفة، كل هذا على الأمن والأمان، والبر والإحسان.
ثم قال الناصري فيما رصد بتأريخه: حدّثنا جماعة وافرة، ممّن حجّ مع المولى إبراهيم في تلك السنة، أنهم ما رأوا من ذلك السلطان - وهو يعني به الإمام سعود بن الإمام عبدالعزيز-، ما يخالف ما عرفوه من ظاهر الشريعة، وإنما شاهدوا منه، ومن أتباعه غاية الاستقامة، والقيام بشعائر الإسلام، وتنقية الحرمين الشريفين من القاذورات والآثام التي كانت بهما من غير نكير، وأنه لما اجتمع بالشريف المولى إبراهيم، أظهر له التعظيم الواجب لآل البيت الكريم، وجلس معه كجلوس أحد أصحابه وحاشيته، وكان الذي تولى الكلام معه، الفقيه القاضي أبوإسحاق إبراهيم الزرعي، فكان من جملة ما قاله ابن سعود لهم: إن الناس يزعمون أننا مخالفون للسنة المحمدية، فأي شيء رأيتمونا خالفناه من السنة؟ وأي شيء سمعتموه عنا قبل اجتماعكم بنا؟ فقال القاضي: بلغنا أنكم تقولون بالاستواء الذاتي.. إلى قوله: فوق حياة الشهداء، وقد مرّ.
ثم قال المؤرخ الناصري: وأقول إن السلطان المولى سليمان، الذي أرسل ولده المولى إبراهيم كان يرى شيئاً مما قاله الإمام سعود، ولأجله كتب رسالته المشهورة، التي تكلم فيها عن حال متفقّرة الوقت - يعني بهم رهبنة ا لصوفية- وحذر فيها رضي الله عنه، من الخروج عن السنة، والتغالي في البدعة، وبيّن فيها آداب زيارة الأولياء، وحذر من غلوّ العوامّ في ذلك، وأغلظ فيها مبالغة في نصح المسلمين جزاه الله خيراً.
كما قال الناصري: إن والده المولى سليمان، قد حدد خطبة تحثُّ على التوحيد، ومحاربة البدع، وأمر بتوزيعها على مساجد الجمعة، كما أمر بإغلاق زوايا الصوفية (الاستقصاء 8 : 121-122).
وبعد الحوار الذي دار في أمور كثيرة مما نسب لهم، والإمام سعود يبيِّن الحقائق وينفي الأكاذيب، قال الناصري: ثم قال صاحب الجيش المغربي: هذا ما حدّث به أولئك المذكورون، سمعنا ذلك من بعضهم جماعة، ثم سألنا الباقي أفراداً فاتّفق خبرهم على ذلك. وعلى هذا بان لنا: أن أربعة من سلاطين المغرب الأقصى قد اهتموا بهذه الدعوة، وتبنّوا نشرها في بلادهم بعد المناظرة والقناعة وهم:
1- السلطان سيدي محمد بن عبدالله العلوي. 2- السلطان سليمان بن محمد العلوي الذي أرسل العلماء لمناقشة الإمام سعود. 3- المولى إبراهيم بن السلطان سليمان الذي أرسله أبوه مع العلماء وبرسالة للإمام سعود، وتناقشوا كما مرّ جزءٌ من ذلك. 4- الملك الحسن الأول في عام 1300هـ.
ومن علماء المغرب:
1- الشيخ الدكتور محمد تقي الدين الهلالي. 2- مؤرّخ المغرب أحمد الناصري. 3- الدكتور عباس الجراري كما جاء في محاضرته عام 1399هـ وغيره.
وقد حظيت هذه الدعوة، ودور آل سعود في حمايتها، باهتمامات عالمية بين مؤيد ومناوئ، فالمؤيدون هم أهل السنة والجماعة، وكثير من مفكري الغرب، الذين اعتبروها تجديدا لمسيرة المسلمين في نقاوة الإسلام، وسموها إصلاحاً أوتصحيحاً.
والمناوئون شنّوا هجوماً متعمداً وحرباً شعواء، دافعها سياسي أكثر منه مناقشة عقلانية، رغبة في الوصول للحقيقة، نموذج هذا: ما ذكره الشيخ عبدالله البسام، في كتابه علماء نجد خلال ثمانية قرون الطبعة الثانية 1419هـ، في ترجمة الشيخ أحمد بن عيسى، مع عبدالقادر بن مصطفى التلمساني تاجر الأقمشة في جدة في حدود عام 1305هـ، والتلمساني من علماء الأزهر متخرج من كلية أصول الدين، ونروي الواقعة عن ابن بسام باختصار لضيق الحيّز، ونحيل القارئ على المصدر.
قال عبدالله البسام: حدثني الوجيه الأفندي محمد نصيف: بأن الشيخ أحمد بن عيسى يشتري الأقمشة من الشيخ التلمساني بمبلغ ألف جنيه ذهباً، فيدفع له 400 ويقسّط الباقي، وآخر قسط يسلّمه في الحج، ثم يبدؤون بعقد جديد، فالشيخ أحمد يأتي بالأقساط في موعدها لا يتخلف ولا يماطل فقال له الشيخ عبدالقادر: إني عاملت الناس أكثر من 40 عاماً، فما جدت أحسن منك يا «وهابي» فيظهر أن ما يشاع عنكم يا أهل نجد مبالغ فيه من خصومكم السياسيين، فسأله الشيخ أحمد أن يبيّن له هذه الشائعات، فقال: إنهم يقولون: إنكم لا تصلّون على النبي ولا تحبونه، فأجابه الشيخ أحمد: سبحانك هذا بهتان عظيم، إن عقيدتنا ومذهبنا أنّ من لم يصلِّ على النبيّ في التشهد الأخير، فصلاته باطلة، ومن لا يحبه فهو كافر، وإنما الذي ننكره نحن أهل نجد هو الغلو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، كما ننكر الاستعانة والاستغاثة بالأموات، ونصرف ذلك لله وحده. فاستمر النقاش بينهما في توحيد العبادة ثلاثة أيام حتى شرح الله الصدر للعقيدة السلفية، أما توحيد الأسماء والصفات الذي قرأه في الأزهر فهو عقيدة الأشاعرة بكتبها، ودار فيها نقاش أكثر من خمسة عشر يوماً بعدها اعتنق التلمساني مذهب السنة وصار يأخذ التوحيد من منابعه، وتأثر به الشيخ محمد نصيف وكثير من أهل جدة، وأهل مكة، وذلك قبل دخول الملك عبدالعزيز مكة بزمن.
وأما عن هدم القباب وما جاء في الترجمة الألمانية للرسالة فهذه من الأكاذيب، وفي سيرة الشيخ أحمد العيسى ما يدل على رابطته بالشريف عون الرفيق الذي هدم أكثر القباب بمكة ومنع مجالس الصوفية، ولطالب الفائدة مراجعة ترجمة الشيخ أحمد العيسى عند ابن بسام في علماء نجد خلال ثمانية قرون ج1 ص436-452، ولعله يتاح فرصة لاستيفاء هذا الحديث.