لي صديق ساح وصاع وتسكع و(تصرمح) في أصقاع الدنيا وصادق مختلف الطبقات وتعلم لغات البشر ودرس عاداتهم وتوغل في فهم سلوكياتهم وقراءة (سيكيلوجياتهم) وأصبحت له دراية من خلال الدراسة بعلم الفراسة حتى غدا متخصصاً ومتفحصاً من خلال هوايته تلك في علم الأجناس وإنثربولوجيا المجتمعات وأثنولوجيا الأمم والشعوب وتعلم التخاطر (التلباثي) والبارسيكولوجي وأوغل في تحليل الطبائع وتأويل العادات وإجادة الانطباعات. وأقول إن هذا الصديق العبقري قال لي يوماً إنني من خلال هذه الاهتمامات بمقدوري أن أقول بلا مواربة وبلا مجاملة إن الإنسان السعودي هو الإنسان الأكثر في العالم الإسلامي والعربي الذي لم يزل يحمل قيماً اجتماعية وأخلاقية يتفوق فيها على ما عداه من سائر الشعوب وذلك لأنه - وحسب رؤية الصديق - قد نشأ منذ فطرة الطفولة على التربية الإسلامية التي تتعاظم معه كلما تقدم في العمر لتصبح كأنها (جين) مغروس في تكوينه الروحي والجسدي وهذه التربية كثيراً ما تؤثّر في أفعاله وممارساته الحياتية وكثيراً ما تردعه عند الانحراف عن الخط السوي إذا ما شاء التوغل في السوء إلى مدى أقصى ولعل أهم ركائز هذه التربية التي تردعه هي (الخوف من الله) ووخز الضمير عن الحرام و(تأنيبه) عند الخطأ والإيمان المطلق بما يكتبه الله للمرء وغيرها وغيرها من الركائز النبيلة التي تدعمها أيضاً تربيته الاجتماعية (العربية) والتي يكتسبها من الأهل والتي تعلمه مكارم أخلاق العرب مثل (الكرم والشهامة) والنخوة والشجاعة والإقدام، وهذه المكتسبات وإن لم تكن ظاهرة في السلوك الحياتي للإنسان السعودي إلا أنها سرعان ما تظهر بارزة للعيان عندما تستوجب المواقف ذلك، وليس أدلّ من ذلك إلا موقف شبابنا السعودي مما تعرضت له البلاد مؤخراً من ظواهر طقسية كادت أن تغرق مدينتي «جدة» و»الرياض»، إذ هبّ الشباب مدفوعين بالشهامة واقتحموا المناطق الخطرة مدفوعين بالنخوة وقاموا بمساعدة الناس مدفوعين بالشجاعة والإقدام وقد ضرب بعضهم أروع الأمثلة في الإيثار حينما قاموا بإنقاذ الكثير من أرواح البشر مؤثرين أرواح المواطنين على أرواحهم الخضراء ودون أن يُطلب منهم ذلك، بل إنهم لا يرجون من ذلك أية مصلحة، بل وحتى ثناء!! مع أنهم - والله - يستاهلون ذلك منا جميعاً، بل علينا أن نعرفهم بالاسم ونقدّر مواقفهم البطلة ونكرمهم على وطنيتهم الفذة.
بقي أن نشير هنا (هامسين بآذان مسؤولينا الكرام) أن بعض هؤلاء الشباب يعانون البطالة الصعبة وأن هنالك المئات من أمثالهم (في البطالة والبطولة) يحتاجهم الوطن ويحتاجون للوطن!