عندما تناهى إلى سمعي نبأ وفاة الفقيد عبدالكريم الفدا وأعظم به من مصيبة وجمت نفسي وذهل عقلي وتواردت في خاطري مقولة الإمام البخاري رحمه الله لما بلغه نبأ وفاة الإمام أبي محمد عبدالله بن عبدالرحمن الدرامي صاحب السنن سنة 255هـ نكس رأسه ثم رفع واسترجع وسالت دموعه على خديه وأنشأ يقول:
|
إن تبقى تفجع بالأحبة كلهم |
وفناء نفسك لا أبا لك أفجع |
فصبراً آل مفدى على المصاب الجلل وجبر الله تعالى كسركم بفقد أحبابكم فالموت قدر كل حي وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور، إن من يتأمل حياة الفقيد رحمه الله ومسيرة حياته المباركة التي ناهزت التسعين يجدها زاخرة بمآثر عظيمة وسجايا جليلة كريمة في ساحات العلم وميادين الخير فإنه وإن ووري بالتراب وتوارى عنا بالحجاب فقد بقي له ذكر حسن وسيرة عطرة ولقد ورد في الحديث الذي رواه الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال: مرو بجنازة فأثنوا عليها خيراً فقال النبي صلى الله عليه وسلم (وجبت) ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً فقال النبي صلى الله عليه وسلم (وجبت) فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما وجبت؟ فقال هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض والجميع يشهد لشيخنا بالصلاح والتقوى والطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وحرصه الشديد توحيد الصف ورأب الصدع.
|
رحمك الله يا أبا عبدالرحمن فلا زلت أتذكر لحظات إصغائي لهمساتك الأبوية حينما جمعتني بك لحظات قدرية في أرياف العكيرشه شرق بريدة، فأخذت تلاطفني بالكلمات المفعمة بالطمأنينة الملأى باليقين وفي ضوء قناديل هذه الهمسات ومن رشد هذه التوجيهات تلمست الطريق وسط عواصف هوجاء، لقد كان يتحدث معي وقد جلله وقار الشيخوخه وكنت ألمح مسحة حزن تتبدى واضحة من خلال التدقيق إلى عينيه، كان مسترسلاً في الحديث وذاكرتي تطوف حيث أوقفتني أمام سيرة جدة صاحب المقامات في الزاهد الشيخ عبدالله بن محمد بن فدا (1270هـ -1337هـ) ومواقفه العظيمة وصدقه في معاملته لربه.
|
وأخيراً وليس آخراً أقدم ترجمة مقتضبة اقتبستها انتقاء من سيرة الفقيد فهو الشيخ عبدالكريم بن عبدالرحمن بن الشيخ عبدالله الفدا ولد عام 1343هـ تولى إمامة مسجد الفدا في جنوب بريدة عام 1360هـ وذلك بأمر من قاضي بريدة الشيخ عمر بن سليم رحمه الله واستمر في إمامة المسجد أكثر من ستين سنة فهو أقدم إمام في بريدة بل في نجد ولقد أخذ العلم عن الشيخ عمر بن سليم والشيخ عبدالله بن حميد وتولى التدريس في المدرسة المنصورية عام 1368هـ حال افتتاحها ثم نقل مديراً لمدرسة أبي بكر الصديق عند افتتاحها سنة 1374هـ واستمر فيها مدة تزيد عن ثلاثين سنة حتى أحيل للتقاعد.
|
نسأل الله تعالى أن يمطر عليه شآبيب رحمته في الآخرة كما أتم عليه نعمته في الدنيا وأن يتقبله مع النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وأن يأجرنا في مصيبتنا وأن يبارك في أولاده وينبتهم نباتاً حسنا إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله.
|
عبدالملك بن عبدالوهاب البريدي |
مدير مركز علاقات الإنسان بالقصيم |
|