حين تستخدم المنطق والاستنتاج والأسباب لتصل إلى النتائج التي تساعدك على اتخاذ القرارات؛ فأنت عندئذ تستخدم عقلك الواعي المسئول عن اتخاذ جميع قراراتك في الحياة، وما سوف تفعله، وما ستتجنبه.
أما العقل المنزوي أو ما يسمى بالعقل الباطن فهو لا يفكر ولا يتصرف ولا حتى يبادر! وليست لديه القدرة على اتخاذ أدنى قرار عدا تحقيق الأهداف التي يتلقاها من سيده العقل الواعي. وآمل ألا تتفاجأ حين تكتشف أن جميع القرارات والاختيارات التي يقوم بها العقل الواعي تأتي متأثرة بالتوجيهات والمعلومات التي يتلقاها من العقل الباطن!
فالعقل الباطن هو آلية إلكترونية معقدة تسعى وراء تحقيق الأهداف، وهو يشبه في عمله جهاز الكومبيوتر، إلا أنه أكثر تعقيداً وتفاعلاً منه، بينما أقل دقة، والسبب ببساطة أن البشر ليسوا آلات، فهم يخضعون للمشاعر والعواطف، حتى أن أكثر أجهزة الكومبيوتر تقدماً لا تقارن بالقدرة الهائلة للعقل الباطن برغم صعوبة المهام الموكلة إليه.
والعجيب أن العقل الباطن غير قادر على إصدار أية أحكام أخلاقية أو وضع معايير للخطأ والصواب أو الخير والشر، فهذه المسئولية تقع على العقل الواعي بمفرده. وسيعمل العقل الباطن تلقائياً لتحقيق أهدافك التي حددتها له بغض النظر عن كونها خيرية أو شريرة أو صواباً أو خطأ أو أخلاقية أو غير أخلاقية. حيث إن الهدف الأساس لعقلك الباطن ومسئوليته تنحصر في تحقيق الأهداف، فهو يعمل وفق آلية صماء يحددها له العقل الواعي، فإذا وضعت لعقلك الباطن أهدافاً ناجحة فستحقق النجاح، وإذا قدمت له أهدافاً فاشلة فسيمنى بالفشل.
ومن هنا يأتي دور المرء بعدم تمكين العقل الباطن من التصرف في مصيره. وقد أطلق القرآن الكريم على هذا العقل (الهوى). واتباع الهوى يقود للخطر والوقوع في المحاذير الشرعية، والنظامية حيث إنه لا يستخدم مطلقاً المنطق أو العقل أو الأحكام الأخلاقية.
وهذا لا يعني إطلاق العنان للعقل الواعي بحجة أنه قادر على تقدير الأمور، بل لابد من الانتباه له بحيث لا يتأثر بالعقل الباطن لأن من طبيعة الثاني الإلحاح وبث الأفكار السلبية غالباً. والملاحظ سيطرة بعض الأفكار السلبية على عقول بعض الناس بسبب خضوع العقل الواعي لذلك العقل الباطن الذي قد يدمره حين ينحرف عن الطريق السليم. ويظهر ذلك جلياً بسيطرة الأفكار السلبية مثل الخضوع لنظرية المؤامرة، أو الانقياد لسيطرة الحسد والعين والأرواح الشريرة دون وجود ما يؤيد هذا الأمر سوى الوسواس الخناس! حيث تتسلل تلك الأفكار السلبية إلى العقل الباطن إما عن طريق الأفكار الذاتية أو أحاديث الآخرين، فيجد المرء نفسه واقعاً بيسر وسهولة فريسة للأمراض.
لذا كان من الضروري زرع العقل الباطن بالأفكار الإيجابية عن النجاح والصحة، والتخلص من الأفكار السلبية عن الفشل واليأس. ولعلنا سمعنا عن أشخاص يعانون من أمراض مزمنة وقد أبلغهم الأطباء باستحالة مواصلتهم الحياة، أو العيش تحت وطأة المرض، فعاشوا بعدها سنوات عديدة! والسبب بعد -مشيئة الله- اكتشافهم الطريقة السليمة لبرمجة عقولهم الباطنة، وحقنها بأهداف إيجابية من أجل تحسين صحتهم، وتقبّل الحياة ونفخها بروح التفاؤل والأمل.
ولكي لا يغضب العقل الباطن من التجاهل أو عدم منحه فرصة الوسوسة أو التشويش يحسن التعامل معه بشفافية واحترام، ورفع مستوى الوعي لديه، فمن المهام المنوطة بالعقل الواعي إخبار العقل الباطن بما يراد منه، وطلب عونه بعدم تثبيط الهمة، وإغلاق منافذ الخوف والقلق والحيرة، فإن كان لديه أية مخاوف، فمن المحتمل أن تتجسد وتقع، وإن كان لديه أمل وإيمان عميق فسيتبع ذلك الإيمان الحصول على ما يطمح له الإنسان.
www.rogaia.net
rogaia143@hotmail.com