من المهم أن نعير بعض الإحصائيات ولغة الأرقام الموثقة التي تتمخض عن بعض الدراسات أو الاستبانات كبير اهتمامنا ونحن نحلل واقعنا من جميع جوانبه، الاجتماعي، والاقتصادي، والثقافي، وكثيرة هي تلك الإحصاءات التي تصدر من جهات رسمية مخوّلة ولا تعيرها بعض المؤسسات والقطاعات الحكومية أي اهتمام، وهي تضع خططها الاستراتيجية بعيدة المدى. والتخطيط السليم الهادف هو الذي تقوده المؤشرات الدقيقة، ومن المعروف أنه لا يوجد جهاز حكومي إلا ومن ضمن أقسامه ووحداته وشعبه (مركز معلومات)، لكن القليل منها يملك معلومة أو إحصائية عن جهازه لأكثر من سنة، أو العام الذي هو فيه.
|
القضية التي نحن بصددها في هذا المقال ليست هذه، بل طالعتنا إحدى (الصحف المحلية) عن إحصائيات صدرت عن (مؤسسة التقاعد) فيها رصد دقيق محكم وموثق لعدد المتقاعدين، سواء كان التقاعد المبكر، أو المتقاعد بقوة النظام، على مستوى مناطق (المملكة العربية السعودية)، وشفعت تلك الإحصائيات بعدد الوفيات ممن هم على رأس العمل، أو من توفي من المتقاعدين بعد (الستين) عاما.
|
يستوقفك في تلك الإحصائيات أن عدد المتوفين قبل إكمال الخدمة الرسمية يفوق عدد المتوفين من الموظفين بعد بلوغ السن النظامي، ولم يكن هذا هو ما يلفت الانتباه، بل وصاحب تلك الإحصائيات أطروحات واقتراحات توصي برفع سن التقاعد إلى (65) عاما للمدنيين، وفيما لو أخذ بذلك سيرتفع عدد المتوفين ممن هم على رأس العمل قبل الإحالة على التقاعد بقوة النظام، ومن المؤكد أن بعض الأطروحات تبرر من منظور اقتصادي بحت بصرف النظر عن العوامل والظروف والاعتبارات الأخرى. وبهذه النظرة يُكرّس مبدأ الحياة للعمل فحسب، ولا قيمة لهذا الإنسان إلا من خلال وظيفة يؤديها. ومن الطبيعي في هذا الموضوع أن ينظر الإنسان إلى ذلك من زاوية اختصاصه ومسؤولياته، أو من فلسفة بالحياة يتبناها.
|
وفي ذات السياق تشير التقارير أن متوسط أو معدّل الأعمار في (السعودية) (74) عاما، طبقا لإحصائية صدرت في عام (1426هـ) مقارنة بمتوسط أو معدل (53) عاما سنة (1390هـ)، وهذا يعني أن الرعاية الصحية، والرخاء الاجتماعي، وتوفر الخدمات، وزيادة الوعي لها دورها الكبير في المحافظة على الصحة، وهو مؤشر في الحقيقة يحسب لمن أسهم في التخطيط والتطوير والتنفيذ لهذا القطاع.
|
الناس أمام مثل هذه الإحصائيات، وهم يستقرئونها بوعي ينقسمون إلى عدة فئات: شريحة تزعجها، أو يقلقها مثل هذا الرصد للأعمار، أو لمسيرة حياة الإنسان، بل وتؤول بهم الحال إلى الاكتئاب. وهذه الفئة هي الحالمة بالخلود الأبدي بالحياة. وفئة أخرى تستحضر قول الشاعر:
|
أعلل النفس بالآمال أرقبها |
ما أضيق العيشَ لولا فسحة الأملِ |
وفئة ثالثة تضع هذا المأثور أمامها: (اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وحياتك قبل مماتك، وصحتك قبل مرضك....).
|
مثل هذه الالتفاتات والمؤشرات تقود الإنسان للاستمتاع بالحياة، والتقاط الأنفاس، إذن، أخي الموظف تدارك نفسك:
|
ولتبتسم مادام بينك والردى |
شبرٌ، فإنك بعدُ لن تتبسما |
|