بعد ضربة 11 سبتمبر التي غيرت تاريخ العالم، تكشفت الكثير من الأمور، وبدأت تصفية الحسابات على مستوى كثير من دول العالم، فلم يتوقع من قاموا بهذه الضربة هذا الحجم من الآثار الذي أحدثته،
حيث جاءت في وقتها بالنسبة للفكر الأمريكي والغربي ومواقفهما من الشرق الأوسط، خلقت مبرراً، للكيل بمكاييل عدة في علاقتهم بالدول العربية والخليجية المصدرة للإرهاب حسب تعبيرهم، بحكم أن التسعة عشر شاباً الذين قاموا بتنفيذ هذا الفعل المشين جلهم من أبناء الدول العربية، منهم 15 من السعودية، بهدف ضرب العلاقات السعودية الأمريكية في مقتل، ودفع أمريكا لمحاربتها، وهذا لم يحصل، ولن يحصل بفضل السياسة السعودية الحكيمة.
التغييرات التي حدثت لم تتوقف على التغييرات في السياسة الأمريكية ومواقفها من تلك الدول فحسب بل إنها تجاوزت ذلك إلى العمل على إعادة صياغة الكثير من المفاهيم والأيديولوجيات التي يؤمن بها أبناء هذه المجتمعات -النامية- وينظر إليها على أنها دول العالم الثالث، فهم العالم الأول، ولا يوجد عالم ثانٍ أصلاً.
ومن الحسابات المهمة ضمن الأجندة إعادة النظر في العمل الخيري، وبالذات فيما يتعلق بجمع الأموال من التبرعات التي يسهم بها المسلمون ليساندوا إخوان لهم منكوبون أو يعانون من كارثة ما، والمسألة يا سادتي في العمل الخيري لم تتوقف عند هذا الحجم، فهذا الأمر يمكن أن يكتفي بما تساهم به الدول الغنية على المستوى السياسي، ولكن تجلى الأمر بشكل واضح عندما أنقلب السحر على الساحر فيما يخص الدعم الذي كانت تساهم به الولايات المتحدة الأمريكية أبان الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي وكيف كانت تشجع العمل الخيري للمجاهدين الأفغان، والأفغان العرب الذين حققوا لأمريكا مآربها من هذه الحرب، ومن هنا تغير أيضاً مفهوم العمل الخيري ضمن المفاهيم الكثيرة التي انقلبت بعد ضربة 11 سبتمبر، فأصبحت مثل هذه الأعمال تمثل دعماً للإرهاب لأنها ضد المصالح الأمريكية، بينما هي في حقيقتها دعماً للتشدد والفكر المنغلق الذي نعاني منه الآن.
العمل الخيري من أعظم الأعمال التي تقرب الإنسان من ربه بشكل كبير، وهي المنجية عند الله تعالى كما ورد في القرآن الكريم والسنة الشريفة، لكن تقنينه، ومعرفة أين يذهب، من المسائل المهمة، فليس من الحق أن تعطي أو تبعث بأموالك كالصدقات أو الزكوات لجهات لا تثق بها، ولا تعرف إلى أين ستذهب، أو كيف ستصرف، وهل ستصرف حقاً في أماكنها الطبيعية لتحقق لك الأجر والثواب، أم سيحدث عكس ذلك، وتستغل تلك الأموال في اتجاهات وتعطى لأشخاص يساهمون في دعم التطرف والتشدد الديني الذي برز بشكل واضح بعد انتهاء الحرب الباردة وتحديداً على أيدي الأفغان العرب، فمن حق المسلم الحريص على عمل الخير أن يعرف أين تذهب أمواله.
عندما كنت صحفياً ميدانياً في العام 2003م قمت بعمل تحقيق صحفي عن الصناديق الخيرية التي كانت منتشرة، بجوار المساجد، وبجوار المطاعم، وأمام صرافات البنوك، وأينما ذهبت، فاتضح لي أنها تجارة رائجة، يقوم عليها عدد ممن يدعون أنهم يساهمون في عمل الخير، وربما هذه الصناديق حققت لبعض هؤلاء الثراء الفاحش والسريع باسم الدين، ورغم أنها تبدو لنا على أنها تستهدف العمل الخيري المحلي، إلا أنه كان يذهب عدد من هذه الأموال للخارج، ويساهم في دعم الإرهاب، ومن حنكة الدولة وحرصها على مصالح المواطنين، قامت بمنع هذه الصناديق قبل سنوات، وعملت على تقنين العمل الخيري، وعلى تحديد جهات رسمية موثوق بها تتبنى هذا العمل، في الداخل أو في الخارج، وهذه الخطوة الرائعة التي قامت بها الدولة كانت غاية في الأهمية لهذا علينا أن نعمل على إعادة النظر في كثير من الجوانب التي نتعامل معها بطبيعتنا كمجتمع طيب، يصدق كل من يدعوه للعمل الخيري حتى لو كان ذلك الداعي نصاباً أو مرتزقاً أو حتى إرهابياً والعياذ بالله.