قبل أيام سألتني إحدى الصحفيات عمن أرشح رئيساً لاتحاد الأدباء السعوديين، فيما لو أصبح هناك اتحاد؟ فكانت إجابتي بأن الحديث عن أمر فرضي هو من العبث، لأن علينا أن نوجد أولاً هذا الاتحاد أو الهيئة أو النقابة، ثم نجعله يسير حسب المتعارف عليه عند إنشاء هيئات المجتمعات المدنية، ليأتي أمر اختيار رئيسه ومجلس إدارته لاحقاً، بعد وضع شروط الالتحاق بالجمعية العمومية، التي تقوم هي باختيار المجلس والرئيس بطريق الانتخابات.
كنت فكّرت قليلاً، ما الذي يعطّل هذا الأمر، ولم؟ ما الذي يجعل أمر الانتخابات يكون طبيعياً حين يتعلق بالتجار ورجال الأعمال، لم يسير الأمر بانسياب في الغرف التجارية والمجالس البلدية، بينما يتعثر حين يرتبط الأمر بالأدباء؟ هل التجار أكثر مرونة وتفهّماً من الأدباء؟ أم أن الأدباء والمثقفين مقلقون إلى درجة الشك والريبة فيهم؟
لقد تذكّرت قبل سنوات، حين كانت المعارض التجارية تنظم سنوياً، من معارض عقار، وأثاث، وكمبيوتر واتصالات، وتكون مفتوحة للعائلات، لتسودها أجواء ممتعة وطبيعية، بينما حين يكون المعرض يرتبط بالكتاب، يبدأ التوجس بنوايا المثقفين وأخلاقياتهم، وكأنما هم كائنات خارج المكان والزمان، وكأنما لا ينتمون إلى الناس، ولا إلى الوطن، أو كأن الكتاب أصبح سلعة تجلب الفتنة وتحرّض على الرذيلة، ولا يجوز أن يجتمع رجل وامرأة في مكان يبيع الرذيلة، أي الكتاب!
أعود إلى أمر اتحاد أو هيئة الأدباء، فما الفرق بين هيئة الصحفيين وهيئة الأدباء؟ لماذا يجوز للأولى بأن تكون هيئتها العمومية، وتسن قوانينها، وتنظم انتخاباتها، بينما الثانية لا يحق لها بأن توجد، فضلاً عن أن تمارس حقها في الانتخاب؟ بل قبل هذه الهيئة، لماذا حتى الآن لم تسرّع وزارة الثقافة عبر الأندية الأدبية في إعلان شروط الانتساب إلى الجمعيات العمومية لهذه الأندية، تمهيداً لإجراء انتخابات مجالس إداراتها ورؤسائها؟
أحياناً، نصاب بقلق وريبة من شيء ما، ثم نكتشف أن الأمر أبسط مما نظن، ولعل أمر الرقابة على الكتاب، التي كانت حكراً على قسم الرقابة العربية في وزارة الثقافة، ثم منحت الأندية الأدبية حق الرقابة على كتبها قبل طباعتها، دون الرجوع إلى قسم رقابة المطبوعات، فاستمرت الأندية تعمل دون أن تخلّ بشروط، ولا أن تقتحم عالماً محظوراً، فلعل منح الأدباء والمثقفين فرصة تشكيل اتحادهم، ستكون داعماً لهم، وربما صانعاً للأدب ومطوراً له، وحتى لا يكون هؤلاء بعيدين عن أحلامهم وطموحاتهم، التي لا تخرج من كونها طموحات وأحلام فردية، وحتى لا يتم إقصاؤهم ويكونوا «عيال» البطة السوداء، الذين لا يعومون إلا على استحياء، وفي الظلام!