خاض الأمريكيون في العراق حرباً كرست صورة أمريكا المعتدية والغازية، وأظهرتهم بصورة الدول الاستعمارية الأوروبية القديمة، وكلفتهم تكاليف باهظة على كافة المستويات. وبدلاً من أن يقطف الأمريكيون الثمرة، ويستفيدون هم وحلفاؤهم من إسقاط النظام البعثي، قدموا العراق على طبق من ذهب إلى إيران. بالنسبة لي لا فرق بين الاحتلال الأمريكي والاحتلال الإيراني، فكلاهما في نهاية الأمر (احتلال).
أما الإنسان الطائفي فإن الأخوة الطائفية ترقى على أي أخوة أخرى، بما فيها الأخوة الوطنية.
فلدى نوري المالكي - مثلاً - يأتي الارتباط بإيران من متطلبات العقيدة، وضرورات المذهب، الذي لا يعترف بوطن، ولا يحده حدودٌ جغرافية؛ فالإيراني لدى الإنسان الطائفي العراقي يأتي في سلم الأولويات قبل العراقي غير الشيعي بحكم الأخوة الطائفية.وهذا لا ينطبق فقط على نوري المالكي، وإنما يشمل - أيضاً - الزعيم الشيعي العراقي عمار الحكيم.
هذان البعدان هما الأساس في التحالف الأخير الذي أبرمه الرجلان (المالكي والحكيم) لإقصاء إياد علاوي، وحلفائه من العرب السنة، عن رئاسة الوزراء، وهو يصب في مصلحة طهران في المحصلة النهائية؛ فعلاوي في طرحه، وكذلك في أيديولوجيته السياسية، يسعى إلى تخليص العراق والعراقيين من النفوذ الإيراني، ويرفع شعار (العراق أولاً)، ويضع مصلحة العراق (الوطن) فوق مصلحة الطوائف والإثنيات التي يتكون منها نسيج الشعب العراقي، بينما ينطلق تحالف المالكي والحكيم من منطلقات محض (طائفية)؛ ومن خلال (مصلحة الطائفة) يتسلل الإيرانيون إلى صناعة القرار العراقي والتأثير فيه بما يخدم مصلحة إيران لا مصلحة العراق.
حتى ولو خسر المالكي منصبه فإن المرشح لخلافته (إبراهيم الجعفري) لا يقل تعصباً عن المالكي؛ بل ربما يفوقه في تعصبه الطائفي؛ وهو - أيضاً - من أكثر الشخصيات المقربة من إيران.
الأكراد أعلنوا أنهم (ربما) ينضمون إلى تحالف المالكي والحكيم.ورغم أن الأكراد أقلية في النسيج الإثني العراقي، إلا أنهم أصبحوا عنصراً مُرجّحاً للتحالف الشيعي الشيعي للفوز بالأغلبية البرلمانية؛ فلا يمكن تمرير هذا التكتل إلى رئاسة الوزراء ما لم ينضم إليه الأكراد، حيث إن تحالف المالكي الحكيم (159 مقعداً) يحتاج إلى أربعة مقاعد إضافية ليشكل الإتلاف الجديد أغلبية كافية (163 مقعداً من 325) للفوز بتشكيل الوزارة حسب مقتضيات الدستور العراقي؛ والأكراد بلا شك سيستغلون هذه الفرصة المواتية للحصول على تنازلات (سيادية)، تمكنهم من السيطرة على الشمال العراقي، وتمهد لإنشاء الدولة الكردية المستقلة (فيما بعد) متى ما سمحت الظروف الإقليمية والدولية.
ولعل الاتفاقية التي وقعها وزير النفط العراقي في الحكومة المنتهية ولايتها مع الأكراد، بشأن تقاسم النفط العراقي في الشمال مع الأكراد، وأعلن عنها الجمعة الماضية، تأتي ضمن المستحقات الواجبة الدفع على ما يبدو لجذب الأكراد إلى التحالف الشيعي الشيعي. الخطورة هنا تكمن في أن نجاح هذا التحالف في الوصول إلى تشكيل الحكومة العراقية يعني أن العراق سيعود حتماً إلى الحرب الطائفية من جديد.
العرب السنة سيشعرون أنهم مستهدفون طائفياً، وأن هناك مؤامرة تقودها إيران، وحلفاء إيران في العراق، تسعى إلى تهميشهم، الأمر الذي سيصب الزيت على الصراع الطائفي، ويعود التطاحن (الدموي) الشيعي السني إلى السطح من جديد، وهذا في رأيي لا يُزعج إيران إطلاقاً إذا لم يكن في حد ذاته هدفاً تسعى إلى تحقيقه بكل الوسائل؛ فكلما زاد التطاحن الدموي الشيعي السني في العراق، شعر العراقي الشيعي بضرورة اللجوء إلى (الأم) إيران طلباً للنصرة والمساندة، الأمر الذي يُمكِّن إيران في المحصلة من التحكم في القرار العراقي، وتوظيف هذه الحكومة الطائفية لتحقيق أهدافها الإقليمية، وتمرير مصالحها وهيمنتها على المنطقة.إلى اللقاء.