«غفر الله لمن قتل 99 نفساً، فهل يغفر الله لمن قتل نفسه 99 مرة».. هذا نص رسالة وردتني يفترض أنها تريد إجابة، أو مواساة.. وشأن الرب له تعالى لا نجري جزماً لما يشاء تعالى، ولا نملك إيجاباً أو نفياً.., غير أنه تعالى ربَّانا بما هدانا إليه في كتابه المنزل، وفي سنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وأول ما هدانا إليه أن نحسن الظن به تعالى، وأن نعتبر بما ورد في قصص القرآن الكريم، وفيها الكثير من آيات غفرانه وسعة رحمته تعالى، بل في سنة المصطفى ما حدث به من محبة الله التي يسبغها على خلقه من الخطائين الذين وعدهم بالمغفرة ما لم يكفروا به تعالى، «إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء».. على أن المؤمن كثير التأدب مع ربه بكثرة اللوم لنفسه، وبقوة الرغبة في الرجوع إليه تعالى مخلصاً من الذنوب، مهتبلاً ليله ونهاره في التوبة والاستغفار، فالإنسان خلق ظلوماً، وأول ظلمه لنفسه، وظلم النفس قتل لها لكنه قتل معنوي، بمعنى إما الإغراق في الأخطاء ما كان منها لمماً، وما جاء منها عظيماً، وإما الإغراق في جلدها، تأنيباً وتراجعاً، وخوفاً من العذاب , إقبال على ربه الرحمن، الذي يعلم تعالى أنه سيؤوب إليه، حين يعلم المرء أن له ربّاً يقبل التوبة، ويغفر الذنب.., أفلا يثق العبد أن ربه سيغفر بعد ذلك لمن يثق فيه ويحسن الظن به.؟..
سبحان رحمته التي عمت، وغفرانه الذي خص..,
بهذا المخرج يمكنني أن أجيب عن سؤال الرسالة، بأن من غفر لعبده وأخرج يده بيضاء من غير سوء، ومن رد الضالين المشركين مسلمين مؤمنين، ومن أخرج عبده الظالم لنفسه من بطن الحوت، ومن أنزل رحمته من السماء على المريض فشفي، وعلى الضال فهدي، وعلى الجاهل فعلم، وعلى النفوس الخائفة فاطمأنت، وعلى العاق فأبر وعلى العقيم فرزق, وعلى الفقير فأغنى، وعلى الساخط فرضي، وعلى كل ذي حاجة فقضيت.. قادر تعالى أن يغفر ظلم النفس ما, خفقت بمحبة الله ولجأت إليه.
ولعلنا أحوج لأن نتجاذب مثل هذه الموضوعات، ونتبادل الطرح فيها، في زمن ضاقت بإفرازاته نفوس الناس كلُهُمُ، فضعف بعضها، ووهن أكثرها، والله أسأل أن يلهم الخطائين التوبة، ويقبلها، فإن لم يغفر الله تعالى لنكونن من الخاسرين،.
فاللهم اغفر للجميع، وارحم الجميع من عبادك الصادقين...
وليكن باب الله العظيم المفتوح أبداً هو الملجأ..