الحمد لله على قضائه وقدره والحمد لله الذي أخذ وعوض وقضى وجمّل الصبر.
لقد كان لرحيل والدي الشيخ سليمان بن عبدالرحمن العدل أثر وذهول وصدمة وفاجعة مصيبة لا كالمصائب ورزية لا كالرزايا. لقد توفي والدي - رحمه الله - وكان خبر وفاته صاعقة اهتزت لها قلوب محبيه وأصدقائه وأصفيائه، ارتعشت الأيدي وهمهمت الألسن واختلط بالفم كوم الحروف. آه ثم آه على فجيعة فقد الأب يا الله هل حقاً مات النقي الطاهر الصفي الصادق - نحسبه ولا نزكي على الله أحداً -؟. لقد فجعت بوالدي حتى كان النهار عندي ليلاً والصباح مساء والشمس قمراً ولم أعِ ما أقول، بل لم أدرك ما كنت أقول، يا الله لو تعلمون ما أعلم من حكاية الوفاة والله لا تلوموني ولقلتم أنزل الله على قلبك قوة من عنده وصبراً من إيمانه. إنها حكاية لا كالحكايات يرى ليلة الأربعاء رجلاً من أجل وأعز محبيه قد سبقه إلى ربه بسنوات ليست بالقليلة يخاطبه في رؤيا منام كأنها الحقيقة - يا الله - أين أنت يا سليمان؟ لقد ذهبت أنا للعمرة وأصابني حادث في طريق المدينة وتوفاني الله ثم يقول له: لماذا تأخرت علينا؟) نعم كانت تلكم رواية رؤيا رواها والدي قبل وفاته بليلتين، وفي ليلة الجمعة ليلة الوفاة يرى في نومة غير معتادة ثلاثة من أقاربه قد سبقوه إلى الدار الآخرة فيفزع ويقول: خير لنا وشر لأعدائنا، وما إن تقترب الساعة من الثالثة فجراً إلا ويقوم فزعاً ليستحم استحماماً لم تعتد عليه حرمه ويطلب لبساً جديداً ثم يخرج لأداء صلاة الفجر مع الجماعة فيشاء الله أن تفوته ركعة من الصلاة ويعتذر الإمام لأنه هو من أقام مبكراً وليس هو من أتى متأخراً ثم يرد والدي عليه ويقول: بل أنا أتيت متأخراً ولكن قدر الله وما شاء فعل، لقد قررت أن أكفِّر عن فوات الركعة تلك بتأدية صلاة الجمعة في المسجد النبوي لأحظى بألف صلاة، ثم يخرج من المسجد مسرعاً مستعيناً بالله ثم بأخوي الكريمين عبدالإله - شفاه الله - وعمر، ويستقل سيارته الهايلكس ذات الموديل 2006 متجهاً إلى المدينة بقيادة عبدالإله بحرص شديد كأنما يساقون إلى الموت وهم لا يشعرون؛ حيث خرج لم يخبر أحداً وطلب ثلاجات القهوة والشاي مستعجلاً بقوله: نجهزها من بوفيهات الطريق وهو ما لم يعتد عليه من قبل، بل لم تكن نفسه تقبل إلا ما صنع ببيته ولكن.. حينما تدعوك منيتك تذهلك عما حولك.. ثم يسيرون في طريقهم المبارك إلى مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في يوم مطير جميل لأداء صلاة الجمعة والرجوع في نفس اليوم.. يريدون ذلك ولله ما أراد ولله الأمر من قبل ومن بعد إذ على مشارف المدينة المنورة وقبل وصول المسجد النبوي بمائة كيلو متر تنحرف السيارة بهم ذات الشمال ثم ذات اليمين لتنقلب بهم مرة أو مرتين ليلقى والدي - رحمه الله - وجه ربه في موقع الحادث طاهراً متطهراً مؤمناً بالله والحمد لله على قضائه وقدره لم يصب سوى بشجة في رأسه ربما كانت سبباً في وفاته بعد أمر الله، ويصاب عبدالإله بإغماءة -أسأل الله أن يعجل بشفائه-، وينجي الله بفضله وكرمه عمر من هذا الحادث الأليم المهول وكان ذلك في ساعة لن أنساها ما حييت إنها الساعة العاشرة من صباح يوم الجمعة المبارك الرابع والعشرين من الشهر الرابع من العام الواحد والثلاثين بعد الأربعمائة والألف؛ إذ رن هاتف الجوال من أخي المبارك خالد فكان الوقت غير وقت اتصال والساعة غير ساعة اتصال - اللهم لا طارق يطرق إلا طارق خير يا كريم - نعم ما بك ماذا دهاك؟ فكانت الإجابة كالخنجر في القلب (أبوي أصيب بحادث سنذهب لإسعافه) ووالله من لحظة سماعي للخبر أيقنت بأن والدي قد اختاره ربه إلى جواره فتمالكت نفسي قدر المستطاع وذهبنا ثلاثة أنا وأخواي خالد وعبدالله وكانت الحقيقة حينما رأيت ذلك الجسد الطاهر مسجى كأنما هو نائم تلكم النومة التي رأى فيها تلك الرؤية الطيبة، فالحمد لله على قضائه وقدره وعزائي وسلواني ومما خفف مصابي ما رأته عيني ووعاه قلبي ولمسته يدي من هذا النبل والوفاء بدءاً من هرم منطقة القصيم ورجلها المبارك صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم - أمده الله بعونه وتوفيقه - الذي زار وعزى وواسى ومد يداً كريمة تعودناها بأنه مستعد لأي طلب تجاه أخي عبدالإله، فبوركت وبوركت مساعيك وبوركت دولة أنت من عظمائها، والشكر والثناء والدعاء لمن واسانا وعزانا في مصابنا الجلل من أصحاب المعالي رئيس مجلس القضاء الأعلى ونائب رئيس شؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي وفضيلة وكيل وزارة الشؤون الإسلامية لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد وغيرهم من أصحاب الفضيلة العلماء والمشايخ وطلبة الوالد -رحمه الله- ومشايخه الكرام والأعزة من أصحاب السعادة مدراء الدوائر الحكومية والشركات وزملائه - رحمه الله - والشكر المعطر لتلك الصحيفة المباركة صحيفة الجزيرة على تميزها بنشر الخبر لأكثر من مرة وإرسال مندوب للعزاء، فشكر الله للجميع مسعاهم ولا أراهم أي مكروه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحمد بن سليمان بن عبدالرحمن العدل