من غرائب مطر الرياض، أنه كشف أشياء مهمة جداً، منها كسر أسطورة «الشمال الغني»، و»الجنوب الفقير»، فجاءت الضربة هذه المرّة موجهة إلى الطبقات الغنية، أو المتظاهرة بالغنى، كحال الفقير إلى ربه!
فهل يعقل أن تمتلئ الأنفاق بمياه مطر يحسب في مقاييس الكميات على أنه متوسط، وهو أقل من مطر جدة الشهير، إلى حد أن ارتفع منسوب المياه إلى أسقف الأنفاق في ظرف ثلاثين دقيقة فقط من المطر الغزير؟ ماذا لو استمر لساعة كاملة مثلا؟ أو ساعات؟ هل ستتحول المدينة إلى نهر؟
وهل يعقل أن من بين هذه الأنفاق، نفق جديد في طريق الإمام سعود «مخرج 9» لم يفتتح إلا منذ سنة تقريباً، بعد أن بقي تحت الإنشاء ثلاث سنوات، ينشط فيه المقاول لأيام، ثم يتعثر لأشهر، حتى انتهى أخيراً، وزفّ المطر إلينا أسباب التعثر والتعطيل والفوضى خلال سنوات التنفيذ!
وهل يعقل أن يتهدّم جانب أحد الجسور من مجرّد مطر معدله لا تتجاوز كمياته 57ملم؟
وهل يتهدم سور صرح جامعي جديد، لم يمض على إنشائه ثلاث سنوات، كسور جامعة الأميرة نورة، من سرعة رياح حتى لو بلغت 120 كم في الساعة، وقد استمرت عشرين دقيقة فحسب؟ ولو طال الأمر بالرياح إلى ساعة مثلاً، فهل ستتهدم الجامعة أيضاً؟
كيف تحولت الشوارع إلى قنوات مياه بامتياز؟ وكيف أصبحت الأنفاق سدوداً هائلة؟ وماذا تغيّر في حالنا الآن، في شوارعنا وأنفاقنا الجديدة، عما حدث في مطر مارس 96م؟ أو مارس 84م؟ بل أحياناً أجزم أن ما حدث في مدينة صغيرة كالرياض في إبريل 76م هو أمر مبرر، على الأقل كان مقياس كميات الأمطار آنذاك في المطار القديم سجّل 143ملم، وهي كمية مطر كبيرة نسبياً في تاريخ المدينة، وأظن أنها لو حدثت الآن لحلمنا جميعاً أننا نتفرّج على النهر والسيارات الطافحة والغرقى من أعلى الجسر في برج المملكة، أو نتناول الكافيار في مطعم البلورة في برج الفيصلية!
هل على كل منّا الآن، أهالي الرياض، أن يرفع عقاله احتراماً لكاشف الأخطاء الأول في مشروعاتنا الحيوية، بدءاً من الطرق والأنفاق والجسور، وانتهاء بالمشاريع الحيوية التي يصرف عليها مليارات الريالات؟ هل نلوّح بالتحية إلى سعادة السيد المطر؟ ونقول له مشكور، فقد كشفت المستور؟ وعلّمتنا أن الصرف لا يعني بالضرورة التصريف؟ (إلا إذا كان تصريفاً من نوع آخر!).
فهل نحلم بأن تكون تحت مدينتنا الجميلة، مدينة سفلية أخرى لتصريف مياه الأمطار كما في مدن أوروبا؟ التي يهطل المطر عليها طوال السنة، فلا ترى قطرة متعثرة في شارع أو نفق..
ماذا سنفعل الآن؟!
هل سنشكل لجنة لتقصي الحقائق في الرياض، كما هي لجنة تقصي الحقائق في كارثة جدة، وهل سننشئ دائرة جديدة كاملة لتقصي الحقائق؟