جاء في (جريدة عكاظ) أن أميناً سابقاً للعاصمة المقدسة طبّقَ منحة لأحد أبنائه على أرض في حي (كدي) بمكة المكرمة؛ ثم ادّعى أحد المواطنين أن الأرض الممنوحة لابن (الأمين) من أملاكه؛ وأن أمانة مكة المكرمة تعدّت على ملكه، و(اغتصبت) الأرض منه، وطبقت منحة ابن الأمين عليها. الأمين السابق رد الدعوى بالقول إن الأرض الممنوحة لابنه (زوائد تنظيمية)، وليست بالتالي مملوكة لأحد، ورفض - كما في الخبر - أن يجلس لدى المحكمة للنظر في القضية. (الخبر في جريدة عكاظ؛ عدد يوم الثلاثاء 20 - 5 - 1431 هـ). لا يَهمني من الذي يملك المنحة؛ أهيَ الحكومة كونها - كما يقول الأمين السابق - زوائد تنظيمية، أم أنَّ ملكيتها تعود للمواطن المدعي ملكيتها.. الذي يهمني أن الأمين - حسب عكاظ - أقرّ بأنها زوائد تنظيمية، وأنه عندما صدرت المنحة كان يتربع على قمة أمانة المدينة المقدسة، وأنه منحها لابنه؛ وهذا كافٍ للقول: بأن وراء الأكمة ما وراءها!
سؤالي للأمين: هل لو كان الممنوح رجلاً من عامة المواطنين، ولم يكن (والده) يحتل هذا المنصب الرفيع، سيحظى بهذه الفرصة الثمينة؟.. وهل من الأمانة أن تستغل ولايتك، وثقة الحكومة فيك، ثم تجيرها لابنك، وتدّعي أن ابنك (الحظيظ) هو مواطن، من حقه أن يمنح كأي مواطن آخر؟
أعرف أن ما أقدم عليه الأمين السابق ما كان ليتكشف، وتفوح هذه الروائح المنتنة، لولا أن هناك من يدّعي ملكية الأرض الممنوحة للابن (المدلل)؛ فهناك كثير من الشائعات والقصص المتداولة عن أمناء البلديات في مدن المملكة تتحدث عن استغلالهم لمناصبهم في الإثراء غير المشروع، أو منفعة الأقارب والأصدقاء والمحاسيب، وأنا على يقين أنها مرَّت مرور الكرام، ولم يعلم بها أحد، لأنها بالفعل (زوائد تنظيمية) لا يعرفها إلا أمناء المدن وبعض العاملين في الأمانات، ولم يُفجّر قضيتها أحد.
وهؤلاء الأمناء، ما كانوا ليُقدِموا على مثل هذه الممارسات لولا اطمئنانهم أنهم في منأى عن المساءلة ناهيك عن المحاسبة والعقاب. فالنفس أمارة بالسوء؛ ومتى ما غاب النظام، أو تمَّ التراخي في تطبيقه، ودخلت الشفاعات والمحسوبيات إلى مثل هذه القضايا، فإن هذه الظواهر القميئة ستطفو على السطح. الجانب الآخر من الموضوع - كما جاء في خبر عكاظ - يوحي بأن هناك مستفيدين آخرين من (التلاعب) في هذه القضية، وليست (فقط) أمانة العاصمة المقدسة إبان عهد الأمين السابق. فقد جاء في الخبر ما نصه: (المحكمة الكبرى تقدمت بطلب لكتابة العدل الأولى بإحضار المعاملة، إلا أن كتابة العدل أجابت بأنها (تبحث) منذ 11 شهرا عن المعاملة)؛ وما زالَ البحث جارياً حتى الآن، ولن يتوقف البحث، فنتيجة البحث - على ما يبدو - تعني الإدانة!
إخفاء المعاملة ينمُّ عن أن هناك شركاء آخرين في القضية في كتابة العدل بمكة المكرمة، إما لأن الأمين السابق كان قد مرّرَ لهم قضايا مشابهة، و(مَشّوها) له، أو أنهم ذوو علاقة مباشرة بملكية الأرض المملوكة حصراً لابن الأمين في الظاهر؛ وإلا لماذا تبقى المعاملة الاستفسارية قرابة السنة لدى كتابة العدل، وبخاصة أنها قادمة من المحكمة وليست مجرد معاملة روتينية؟.. أليس مثل هذا التباطؤ يُوحي بأن المستفيدين من المنحة أكثر من طرف، وجميعهم استغلوا وظائفهم في الإثراء غير المشروع؟
الزبدة: إذا لم يُفضح هؤلاء، ويُقدمون إلى المحاكمة، ويشّهر بهم، فلن نستطيع أن نبني دولة معاصرة تنعم بالأمن والرفاه، ويحفها العدل، ولا مكان فيها للفساد.
إلى اللقاء