Al Jazirah NewsPaper Thursday  06/05/2010 G Issue 13734
الخميس 22 جمادى الأول 1431   العدد  13734
 
مرثية مدينة الرياض!
رمضان جريدي العنزي

 

سأدخل عليكم هذه المرة وفي فمي نصوص ذات ضروس، سراج موقدي جاحد، ونصف أوراقي قد ضاعت، وفي جبيني ندبة أرض الرياض التي فاضت..

.. سأمر عليكم بمخاضات عسيرة وعميقة، أضلاعها سعف، وعيناها مطر كثيف ليس حلواً، لكنه مالح، لي غايات متوهجة بالغامق الأخضر، وللحريق في داخلي عشق لكنه منكسر، لي لوعة وتوق متماوج، قلق أنا ومرتبك، لهيامي في حب الرياض جنون، لرأسي آفاق، ولقلبي دهاليز، لولعي الصادح في براريها ولع يشبه عواصف أنفاسي الحارة التي تشعلني، البارحة الرياض صار لها أبعاد ومجاهيل مناف، مطرها نافر كحليب، ليس لعطرها انتشاء، ولا لحنائها اشتهاء، ولا لصبواتها ندى وقمر وهديل، البارحة كنت ملتصقاً بجسم الجسر الذي فاض، كان ممتلئاً حين مر الموت بطفلة كانت تبكي وشيخ طاعن يتلو التراتيل وهو يرمي كوفيته للمارة لإنقاذه وطفلته الصغيرة البريئة الحسناء، كانا سائرين من تحتهما ماء، ومن فوقهما ماء، في يوم عاصف مطير، الأنفاق أصبحت مسابح كبيرة وعميقة والطرقات كالأنهر تفيض، مدينة الرياض انكسرت ذلك المساء، انتحبت وذبح برنامج تصريف السيول بهجتها وفرحتها حين انكسرت الطرقات وتحولت إلى طوفان فظيع ينذر بالسيئ القاتم القادم، حينها لم يعد للرياض شارع جميل ولا ممر جميل ولا رصيف جميل ولا حياة جميلة ولا بياض جميل، لا العشب نهض، ولا ألقى الحمام هديله في راحتي، ثمة شيء تهدم، الشوارع تحرثها السيول الجارفة، والعواصف تروض غرورها بشدو مخيف، أتمتم بكلمات لا أفهمها لأوهم نفسي بشيء جميل لم يأتِ، العمى ألقى علي بنظره، تلك هي المأساة، يوم تخط الكارثة ما لا يمكن خطه، جرح هائل امتد حاضناً دم يأسي، نشرات الأخبار تسمعني قولاً ثقيلاً، أصبحت مشاعري مدثرة بالظلمة، حفرت في روحي مصبات صنابيرها، مدينة الرياض التي تشبه الحسناء البارحة احتضرت، أصبحت رهينة تربتها ومائها وهوائها وأنفاقها، لقد تهشم ظلها الذي كان في منتهى كماله، المطر الثقيل كسر ثلمة ليلها ومنحها شيئاً غامضاً حتى عادت قمراً يجر ضوءاً يشيعه إلى الليل البهيم، لا الطير غرد ولا زهور الياسمين نبتت من حولها، المطر زاد وبنية الرياض التحتية تكلمت بأسرارها، انغمست برائحة المطر والطين، ومزاريب توشوش للأرض مخلفة أخاديد وحفراً، ضحكاتنا تهددها الوحشة، وأصابع المطر النازل تنساب في الأركان والزوايا بلا استئذان، وجه الرياض أثار فيَّ تساؤلاً حاداً قد يبدو للوهلة الأولى غريباً أو أبله حين أنظر تعاركها مع كارثة المطر، كيف تحولت الرياض بشعرها الأشقر المصفف، وعطورها العبقة بحدة ممزوجة بقهر يترصدنا، كيف أصبحت الأنفاق والشوارع تشبه خرق القماش أو الفرش البالية، كيف دمر الوحل والطين وجهها الأليف، بينما نحن نتمادى بالدهشة والترقب، ما زال منظر الكارثة منطبعاً في جبهتي، بينما أحاول بعبث طفولي أن أعرف ماهية كل هذه الأسباب، سأترنم بلذة بلحن قديم لكنه حزين، وسأنتبه جيداً لما بعد سكون المطر وهجعة النائمين وانحسار الكارثة، بعدها سأداعب أوراق الشجرة الصغيرة التي في وسط داري؛ لأعرف هل ستعود الرياض ذات مرة مثل نبتة حلوة تحتوينا، أو مثل قوس قزح أو أغنية غسقية وبلا صخب يزيد ارتجافنا أو يهدد هدوءنا.



ramadanalanezi@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد