تأملت في رسائل القراء، وتعقيباتهم، وبعض مطالبهم المباشرة، فوجدتها تدور في حلقة موضوعات متقاربة الأفكار، متشابهة المدارات، يطغى عليها إلحاح الحاجات، ومستجدات الواقع، هناك الأم الشاكية الباكية صفح أبنائها عنها بمجرد أن ارتفعت سيقانهم, وصد زوجها عن مشاركتها المسؤولية، تلهياً بما يشغله، أو تذمراً بحمله، وهناك أب العدد الكبير من الصغار الدارجين فوق الأرض، يتشبثون بأطراف ملابسه جوعاً وعرياً، مرضاً وعطشاً، وهو في خواء ذات اليد لا يستطيع مواجهة الحاجات بما قلّ من المؤونات، وهناك المعلّم الراغب في تطوير ذاته، وتثقله الفرص الضيِّقة لكثرة أعبائه، ولارتفاع تكاليف الدورات، وهناك الفتاة التي تشعر بضياعها في معمعة الواقع، ومتاحات من في عمرها، وهناك الموظف على بند الأجور الذي تم تثبيت زملائه وبقي هو وغيره دون ذلك، وهناك من يشكو قسوة الناس، وقسوة الحاجة، وهناك من يألم من ذوبان القيم في هجمة النيون،...
وأنا، أتأملهم، أفعل غوصاً في المحبرة، وألقم قلمي نبضاً، وأكون إليهم..