نستدعي الذكريات فتدعونا إلى الاستعادة مثلما الاستفادة، وإلى التذكر كما التفكر، وتمر السنوات، نحسبها وئيدة فإذا هي عجلى، ونلتفت فإذا نحن أمام أنفسنا نتساءل عن معطيات الزمن الذي مثل لنا أجم الزمن، ممتلئاً بالأمل والعمل، والطموح والتحديات..
.. فنعيش أصداء الحكايات بعدما كنا جزءاً منها، أو ربما العامل المكون لها، فندرك المعادلة الأهم في حياة تتكامل أجيالها، فنعمل انطلاقاً مما عمل الأولون، ويعمل من بعدنا مكملاً ومجدداً ومطوراً.
وحين طلب مني الصديق العزيز الأستاذ حسين العذل أن أشارك في الكتاب التوثيقي عن نصف قرن في مسيرة الغرفة التجارية فقد أتاح لي استرجع شريطاً مضيئاً لا تمحوه ذاكرة النسيان، ولن أتحدث عن عضويتي في الغرفة فهذا حديث العمر كله، ويكفي أن أشير إلى مواقف غير عابرة في الفترة التي شرفت فيها بالعمل ضمن مجلس إدارتها.
لي مع الغرفة حكايات عذبة، فقد بدأت مشواري العملي في فترة مقاربة لإنشائها، وربما سبقتها بسنوات قليلة لأجد أننا أصدقاء رحلة مثلما نحن شركاء مرحلة، غير أنه قبل ثلث قرن (1398ه) بدأت علاقتي العملية اللصيقة حين انتخبت في مجلس إدارة الغرفة عضواً في الدورة السابعة ونائباً ثانياً في الدورة الثامنة، ومواصلاً العمل فيها حتى نهاية الدورة العاشرة، فكانت ستة عشر عاماً من عمل الفريق حافلة بالسعي والوعي، بنت على ما سبق، وهيأت لما لحق، وكنا مع الأخوة الأعضاء برئاسة الصديقين الأستاذ محمد العبد الرحمن الفريح وإبراهيم بن عبدالعزيز الطوق نسعى لتأسيس قواعد تنظيمية وإجرائية ومالية راسخة، وأذكر أننا أعضاء مجلس الإدارة قررنا أن تكون تكاليف مهامنا الداخلية والخارجية على حسابنا الشخصي، بما يشمله ذلك من تذاكر ومصاريف وإقامة، ولا يستقطع من اشتراكات منسوبي الغرفة إلا ما يخص الأمين العام ومرفقيه من الجهاز الإداري المتفرغ، وقد بات هذا مبدءاً مرعياً حتى يومنا هذا.
أردنا توفير الدخل العام للغرفة لينفق في الأهم، وفي هذا الاتجاه قررنا عدم استخدام موارد الغرفة في إعلان التهاني والتعازي وما يشابهها من مناسبات، رغم إيماننا بقيمة الإعلان وجوره التسويقي والتوعوي، غير أن تلك التي أوقفناها لا تختط هذا المسار، فهي أقرب إلى المجاملات الاجتماعي التي تحققها العلاقات العامة دون أن تؤثر على إيرادات الغرفة وإنفاقها. لم نقف هنا، بل أكدنا على عدم الاستجابة لطلبات التبرع النقدي، واستعضنا عن ذلك، بالشراكة التنموية الحقيقية عبر لإسهام في المشروعات الإنتاجية، مثل التدريب والتوظيف وإنشاء حديقة المطار، وما في فلكها وكنا جادين في رسم معالم لا يقف تأثيرها عند من أقروها، بل تحتذي ويبنى عليها وتنضم إلى منظومة قيم العمل المؤسسي الذي يتجاوز الغرفة والأفراد والدورة الإدارية.
وفي حديث الذكريات خلال عضويتي لمجلس الإدارة أعتز كثيراً بمشروع مبناها الحالي، فقد عايشته فكرة ومخططات وتنفيذاً، إذ أوكل التصميم إلى شركة إيطالية قدمت رسوماً لم ترق لنا، فاقترحت على المجلس أيام رئاسة الصديق إبراهيم الطوق أن يتولاها المهندس العربي الكبير نبيل فانوس وتوليت أمر التنسيق معه بحكم معرفتي العملية به وتنفيذه عدداً من الأعمال المتصلة بي وبالمجموعة التي أنتمي إليها ولم يكن الأمر سهلاً حين لم استحصل موافقته فقط بل أقنعته بالتنازل عن بعض استحقاقاته اتكاءً عل أن مبنى الغرفة فرصة عمر له سيحمل اسمه على المدى، واتفقنا على أن يتولى الإشراف المجاني على التنفيذ وندفع له كلفة المخططات فقط، وهكذا كان فاستفاد الطرفان.
أنجزنا الكثير بروح الفريق الواحد وساند تحقيق أفكارنا أن تهيأ للغرفة أمين عام نشط ذو كفاءة واقتدار وهو الصديق الأستاذ صالح الطعيمي الذي لم يشغله العمل المكتبي عن الجولات الميدانية فكان الراعي للمبنى الجديد يراه الموظفون والمراجعون متفقدا أجنحته وأروقته وزواياه ما علا منها أو هبط من السطح حتى مواقف السيارات عبر الدرج الطويل لا المصاعد المرفهة مسجل ما يراه من ملاحظات وموجهاً إدارات الصيانة والخدمات لإبقاء المبنى في أجمل حله ما جعل زائره اليوم لا يصدق أنه قد مضت على عمارته سنوات ولم يكن هذا غريباً على أبي وليد المشهود له بالدقة والانضباط.
الذكريات كثيرة والإذن لها بالتدفق سيعني اقتطاع مساحة كتابية يشغلها زملاء آخرون «فليكف من القلادة ما أحاط بالعنق» متمنياً للغرفة في يوبيلها الذهبي مزيداً من العطاء لتضل منارة للعمل الاقتصادي المؤسسي المتميز.