(لقد تأخرت مسيرة التنمية في جازان في الماضي لظروف لم يكن لأحد يد فيها، ودولتكم عقدت العزم على إنهاء هذا الوضع باختزال المرحلة ومسابقة الزمن وإعطاء جازان عناية خاصة)؛ بتلك الكلمات الصادقة خاطب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أهالي جازان خلال زيارته التاريخية للمنطقة العام 2006م. لم تكن كلمات عابرة بقدر ما كانت رسالة من القلب تحوّلت إلى خطة عمل محكمة لإنجاز مضامينها على أرض الواقع. من يَزُر جازان هذه الأيام يجد ثمرة توجيهات الملك العادل، ومشروعاته المباركة، وإصراره على اختصار زمن التنمية، وكيف تحوّلت المنطقة الهادئة إلى ورشة عمل تتسارع فيها أعمال الشركات لإنجاز المشروعات الطموحة، وفق إدارة دقيقة من سمو الأمير محمد بن ناصر، أمير منطقة جازان. المدينة الاقتصادية، مباني جامعة جازان، إعادة تأهيل المنطقة، ودعم اقتصادها بما يكفل تنمية الفرد والمجتمع؛ يمثل الجزء الأهم في إستراتيجية التنمية الشاملة التي ربما احتاجت إلى خمس سنوات قادمة لإتمامها.
كانت جازان من المناطق الطاردة للسكان بحثاً عن الدراسة، العمل، الخدمات، وبناء المستقبل الجميل؛ فأصبحت، بفضل الله، من المناطق الجاذبة للباحثين عن الاستثمار وتحقيق الثروات من خلال الزراعة، الصناعة، ومشروعات البنى التحتية، ودون أدنى شك فعند اكتمال المشروعات الحالية، وبخاصة المدينة الاقتصادية، والمشروعات الصناعية، ومباني جامعة جازان الضخمة، والمعاهد العلمية فستصبح المنطقة جاذبة للمواطنين من خلال توفر فرص العمل، البيئة التعليمية الجيدة، والبنية التحتية التي لا يمكن العيش دونها في العصر الحديث.
جازان تشهد طفرة تعليمية مميزة، حيث تتولى جامعة جازان القيادة في هذا الجانب. بناء الجامعة على أسس حديثة، وتوفير الإمكانات والأدوات الضرورية لتحقيق النجاح يضمن بإذن الله سلامة المخرجات وتوافقها مع متطلبات سوق العمل، وحاجة المنطقة إلى التنمية التعليمية التي يمكن من خلالها التوسع في بناء الإنسان والمكان.
تعتمد التنمية المستدامة على التعليم في الدرجة الأولى، والتخصصات العلمية التقنية ربما تكون الأكثر إشباعاً للحاجة، وتحقيقاً للأهداف الآنية والمستقبلية.
ومن خلال سبع عشرة كلية، ومائة تخصص نجحت الجامعة في إعداد جيل من الشباب والشابات، واحتضان أكثر من 46 ألف طالب وطالبة، وحفر اسمها في سجل الشرف العلمي بشراكاتها العلمية المتميزة مع الجامعات العالمية، ونوعية خريجيها، ومنهم طالب الامتياز في كلية الطب الدكتور سلمان بن مفرح الغزواني الذي أشاد به معالي وزير الصحة الدكتور عبد الله الربيعة لمشاركته العملية ضمن الفريق الطبي المكلف بإجراء عملية فصل السياميين الأردنيين، ولعله يكون امتداداً لجيل المبدعين، من أبناء جازان المخلصين، من أمثال الدكتور محسن بن علي فارس الحازمي، عضو مجلس الشورى، الذي نبغ في مجالات متعددة، وطوّر جهاز فصل بروتينات الدم وأبدع في أبحاث الوراثة البشرية واكتشف هيموجلوبين «الرياض» وهيموجلوبين «هيلسنكي» (خضاب الدم)، ورسم خريطة نسب وتوزيع أمراض الدم الوراثية في المملكة وأنواع الإعاقة وداء السكري، وغير ذلك.
تفخر جامعة جازان، ونفخر نحن أيضاً، بأي إنجاز علمي، أو مساهمة طبية ناجحة ومتميزة يحققها أحد خريجي الجامعات السعودية، فنياشين الفخر المعلقة على صدورهم تمتد إلى صدورنا وقلوبنا أيضاً.
كلية الطب بجامعة جازان حصلت على شهادة الآيزو العالمية في كافة أقسامها ووحداتها، حيث تعتمد الكلية على منهجية التدريب الخارجي لطلابها، أوقات الصيف، في المستشفيات الأمريكية من خلال عدد من اتفاقيات التعاون مع جامعاتها المتخصصة.
جامعة جازان لم تكتف بدورها العلمي، بل سعت إلى المساهمة في أدوار تنموية أخرى من خلال شراكات خاصة، مع الهيئة العامة للسياحة والآثار، إدارة التعليم في المنطقة، والمجتمع المحلي، وأسهمت إسهاماً فاعلاً في الأنشطة الثقافية المتميزة، وبخاصة المؤتمرات، ورش العمل، والمحاضرات التي تشهد إقبالاً كبيراً من الجمهور.
وإذا كان البعض، هداهم الله، يستكثرون على جازان «إنشاء فندق خمس نجوم» فالجامعة وبفكرها المنفتح، وإحساسها بالمسؤولية تولت هذه المهمة نيابة عن الآخرين، وقامت بالبدء في إنشاء فندق عالمي فئة خمس نجوم بطراز عمراني مميز داخل حرم المدينة الجامعية، بتمويل من صندوق التعليم العالي.
مشروع الجامعة الاستثماري السياحي هو دعامة حقيقية لخطط التنمية الضخمة التي تحتضنها جازان في الوقت الحالي، وسيحقق للجامعة دخل استثماري يساعدها في مواجهة مصاريفها المستقبلية.
نجحت جامعة جازان خلال عمرها القصير في تحقيق منجزات مختلفة، وهي قادرة على تحقيق المزيد من التميز الذي لن يكون عسيراً على مجموعة من العقول المميزة التي تدير الجامعة وتسابق الزمن لتعويض أهالي المنطقة بعض ما فقدوه في العقود الماضية.
الدكتور محمد بن علي آل هياز ع، مدير جامعة جازان، يمتلك من العلم والطموح والموهبة الإدارية ما يجعله قادراً على صنع التميز للجامعة، وللمجتمع بشكل عام.
يعتقد الدكتور علي الموسى، كما يعتقد الكثيرون، بامتلاك مدير جامعة جازان، الدكتور محمد آل هيازع، رؤية خاصة في التعليم والإدارة، وهي شهادة لن يُطلقها الدكتور الموسى، ما لم تكن حقيقة ثابتة، وخصوصاً أنه من المقلين في الثناء والمطنبين في النقد البناء.
تنمية جازان باتت شاملة، كما خطط لها ولي الأمر، وهي في حاجة إلى بعض الوقت لاستكمال مشروعاتها الحيوية، إلا أن مشروعات التنمية يفترض ألا تتوقف عند هذا الحد، بل نأمل أن تحظى منطقة جازان بمزيد من التنمية الزراعية، الصناعية، والسياحية الخاصة، فالمنطقة تمتلك كل مقومات نجاح المشروعات الإستراتيجية في قطاعات الزراعة، الصناعة، والسياحة إضافة إلى ما تمثله المنطقه من أهمية إستراتيجية تجعل من تحقيق التنمية المستدامة فيها، أمراً غاية في الأهمية.
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM